للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاحِدَةِ فَجَعَلَ لَهُمَا النِّصْفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١].

عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهِنَّ نِسَاءً، وَهُوَ جَمْعٌ، وَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، وَأَكَّدَهُ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ، وَحَظُّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ حَظَّ الْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ.

وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك فِي أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا بِمَالٍ فَقَالَ يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَك» وَمَا تَلَا لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ.

لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ الْجَمْعِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمَ الْمُثَنَّى بِالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ لَا سِيَّمَا فِي الْمَوَارِيثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ الْمُثَنَّى مُرَادًا بِالْآيَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ لِلْبِنْتَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثُّلُثَيْنِ بِحُكْمِ الْآيَةِ، وَلَفْظَةُ {فَوْقَ} [آل عمران: ٥٥] فِي الْآيَةِ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢] أَيْ اضْرِبُوا الْإِعْنَاقَ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِحُصُولِ التَّوْفِيقِ بِهِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْآيَةِ.

وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَدْنَى الِاخْتِلَاطِ أَنْ يَجْتَمِعَ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَهُوَ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ هَذَا، وَهُوَ الثُّلُثَانِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَبَدًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ نَصِيبَ الْوَاحِدَةِ وَنَصِيبَ الْجَمْعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الْمُثَنَّى عَلَى مَا قَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِ الْمُثَنَّى بِأَحَدِهِمَا.

فَإِلْحَاقُهُمَا بِالْجَمْعِ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنَى الضَّمِّ، وَلِأَنَّ الْمُثَنَّى لَهُ حُكْمُ الْجَمْعِ فِي الْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْفَرْدِ وَحُكْمَ الْمُثَنَّى جَعَلَ حُكْمَ الْمُثَنَّى كَحُكْمِ الْجَمْعِ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ الثُّلُثِ، وَقَوْلُهُ إنَّ الْبِنْتَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ قُلْنَا اسْتِحْقَاقُهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا إيَّاهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ يَأْخُذْنَ مَعَ الِابْنِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ الثُّلُثَيْنِ، وَالْوَاحِدَةِ تَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الِابْنِ وَالنِّصْفَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَعَصَبَهَا الِابْنُ، وَلَهُ مِثْلَا حَظِّهَا) مَعْنَاهُ إذَا اخْتَلَطَ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ عَصَبَ الْبَنُونَ الْبَنَاتِ فَيَكُونُ لِلِابْنِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] فَصَارَ لِلْبَنَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَالتَّعْصِيبُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِالذُّكُورِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ الِابْنِ كَوَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ بَنُو الِابْنِ عَصَبَةً كَالْبَنِينَ وَبَنَاتُ الِابْنِ كَالْبَنَاتِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَيَعْصِبُهُنَّ الذُّكُورُ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالذُّكُورِ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْجَبُ بِالِابْنِ) أَيْ وَلَدُ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ، وَهُوَ عَصَبَةٌ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ بِالْعُصُوبَةِ، وَكَذَا بِالْفَرْضِ لِأَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُدْلِينَ بِهِ فَلَا يَرِثْنَ مَعَ أَصْلِهِنَّ، وَإِنْ كُنَّ لَا يُدْلِينَ بِهِ بِأَنْ كَانَ عَمَّهُنَّ فَهُوَ مُسَاوٍ لِأَصْلِهِنَّ فَيَحْجُبُهُنَّ كَمَا يَحْجُبُ أَوْلَادَهُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ ثَبَتَ لِمُسَاوِيهِ ضَرُورَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْبِنْتِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ الْبَاقِي) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ بِنْتِ الْمَيِّتِ لِصُلْبِهِ أَوْلَادُ الِابْنِ أَوْ أَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْمَجْمُوعُ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فَيَحْجُبُ الْأَبْعَدَ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ فَتُشَارِكُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ الْبِنْتِ لَهُ وَحْدَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْإِنَاثِ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ) أَيْ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الصُّلْبِيَّةِ السُّدُسُ، وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ ابْنُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يَكُنَّ عَصَبَةً مَعَهُ فَلَا يَرِثْنَ السُّدُسَ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُنَّ السُّدُسُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ «لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بِنْتٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ أحوال الْجَدّ فِي الْمِيرَاث]

(قَوْلُهُ وَمَا تَلَا) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>