للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَصَبَةِ حَتَّى يُعْطَى مَا ذُكِرَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَنَقُولُ الْعَصَبَةُ نَوْعَانِ نَسَبِيَّةٌ وَسَبَبِيَّةٌ فَالنَّسَبِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ جُزْءُ الْمَيِّتِ وَأَصْلُهُ وَجُزْءُ أَبِيهِ، وَجُزْءُ جَدِّهِ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى فَرْضُهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ، وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ أُنْثَى غَيْرِهَا كَالْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ. وَالسَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةُ، وَالْأُنْثَى لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ إنَّمَا سُمِّيَ عَصَبَةً لِقُوَّتِهِ، وَلِحُصُولِ التَّنَاصُرِ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّنَاصُرُ بِالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا صِرْنَ عَصَبَةً تَبَعًا أَوْ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَقَطْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَحَقُّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ جُزْءُ الْمَيِّتِ، وَإِنْ سَفَلَ وَغَيْرُهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] إلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١١] فَجَعَلَ الْأَبَ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ سَهْمًا مُقَدَّرًا فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْعُصُوبَةِ، وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ وَلَدَ وَلَدِهِ عَلَى وَالِدِهِ، وَيَخْتَارُ صَرْفَ مَالِهِ لَهُ، وَلِأَجْلِهِ يَدَّخِرُ مَالَهُ عَادَةً عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِكَسْبِهِ مَحَلَّ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّا صَرَفْنَا مِقْدَارَ الْفَرْضِ لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنْتَ أَيْضًا عَلَيْهِ، وَعَلَى كُلِّ عَصَبَةٍ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ اخْتِيَارَهُ بِتَعْيِينِ الْفَرْضِ لَهَا، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لَأَوْلَى رَجُلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا) أَيْ ثُمَّ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ أُصُولُ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَاهُمْ بِهِ الْأَبُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِإِرْثِ الْإِخْوَةِ الْكَلَالَةَ، وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ضَرُورَةً، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ بَعْدَ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ فَمَا ظَنُّك مَعَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ كَأَعْمَامِهِ وَأَعْمَامِ أَبِيهِ، وَالْجَدُّ أَبٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ) وَإِنَّمَا قُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِرْثَ فِي الْكَلَالَةِ لِلْإِخْوَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ، وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ جُزْءُ الْأَبِ فَكَانُوا أَقْرَبَ مِنْ الْأَعْمَامِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِاتِّصَالِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُقَدَّمُ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِهَذَا تُقَدَّمُ فِي الْفَرْضِ فَكَذَا فِي الْعُصُوبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ أَعْمَامُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ فَكَانُوا أَقْرَبَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبَ بَعْدَهُمْ، وَقَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِخْوَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ عَلَى وَلَدِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِي أَعْمَامِ الْأَبِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ ذُو قَرَابَتَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ، وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْمُعْتِقُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ»، وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ إنْ شَكَرَكَ فَخَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَشَرٌّ لَهُ وَخَيْرٌ لَك، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتَهُ»، وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ «ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ مَالِهِ لِابْنَتِهِ، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ، وَهِيَ الْمُعْتِقَةُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ الْعُصُبَات فِي الْمِيرَاث]

قَوْلُهُ «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ») هُوَ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْبُخْلِ وَمَظِنَّةٌ لَهُ أَيْ يَحْمِلُ أَبَوَيْهِ عَلَى الْبُخْلِ وَيَدْعُوهُمَا إلَيْهِ فَيَبْخَلَانِ بِالْمَالِ لِأَجْلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ «مَجْبَنَةٌ») لِأَنَّهُ يُحِبُّ الْبَقَاءَ وَالْمَالَ لِأَجْلِهِ اهـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>