للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَكَانِ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ وَفِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَرَجَ لِلدُّعَاءِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ لَا لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ.

[تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده وَشُرُوطه]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ بَعْدَ فَجْرِ عَرَفَةَ إلَى ثَمَانِ مَرَّةً اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ) وَالْكَلَامُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ - فِي صِفَتِهِ وَالثَّانِي - فِي وَقْتِهِ وَالثَّالِثُ - فِي عَدَدِهِ وَمَاهِيَّتِهِ وَالرَّابِعُ - فِي شُرُوطِهِ فَأَمَّا صِفَتُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] وَلِأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ فَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَسُنَّ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّنَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمَرْضِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا بَعْدُ وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا وَجَبَ بِالِاقْتِدَاءِ.

وَأَمَّا وَقْتُهُ فَأَوَّلُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَآخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذْ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى احْتِيَاطًا.

وَأَمَّا عَدَدُهُ وَمَاهِيَّتُهُ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْقُرَى وَالنَّافِلَةِ وَالْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ شُرُوطَهُ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْخُطْبَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَدَاؤُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يَفُتْ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَرَمْيِ الْجِمَارِ.

وَأَمَّا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ، وَكَذَا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ قَابِلٍ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا فَلَا تُقْضَى كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) يَعْنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ تُخَافِتُ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةٌ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ بَعْدَ مَا قَضَى مَا فَاتَهُ لِمَا نُبَيِّنُ مِنْ الْمَعْنَى

، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ يُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي أَثَرِ الصَّلَاةِ لَا فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ دُونَ حَالَةِ التَّكْبِيرِ، وَكَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَمِنْ شُرُوطِهِ) هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ إلَخْ) الَّذِي يُؤَدَّى عَقِيبَ الصَّلَاةِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ فَسَجْدَتَا السَّهْوِ تُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا سَهْوٍ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي تَحْرِيمِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي تَحْرِيمَتِهَا وَتُؤَدَّى عِنْدَ الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ فَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَسَهَا سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ لَبَّى فَإِنْ لَبَّى أَوَّلًا سَقَطَ التَّكْبِيرُ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالْكَلَامُ يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَسُجُودَ السَّهْوِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ التَّكْبِيرَ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمِنْ حَيْثُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ فَكُلُّ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَكُلُّ مَا لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَا يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ فَإِذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ ضَحِكَ فَقَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّكْبِيرِ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ سَاهٍ عَنْهُ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَقْطَعُ الْبِنَاءَ وَتُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا اقْتَدَى بِهِ فِي التَّكْبِيرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِالْكَلَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ خَلْفَهُ يَرَى رَأْيَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكَبِّرُ، وَإِنْ تَرَكَ إمَامُهُمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَابَعَهُ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِمَا سُبِقَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ مِمَّا يُضَادُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ تَكْبِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَابَعَهُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ. اهـ. وَكَذَا إذَا تَابَعَ فِي التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَلَامٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ إذَا كَانُوا مُحْرِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يُؤْتَى بِهَا لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا بِنَاءً عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِنِدَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: ٢٧] فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْإِمَامِ تَكْبِيرٌ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّلْبِيَةُ فَأَوَّلًا يَبْدَأُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ وَيَخْتَصُّ بِهَا ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>