للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يُشِيرُ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَجِبُ طَلَبُهُ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَوَقَعَ الشَّكُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَيَقَعُ الشَّكُّ أَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ آخَرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَاشْتَهَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَهُ أَحْمَدُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ وَالْكَرَاهِيَةُ هُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا غَيْرُ

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَهْلُ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ.

وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدٍ شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُوهُ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَوْمِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي نَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَاكَ مُحْتَمَلُ الْمُرَادِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ مَطْلَعٍ مُكَلَّفُونَ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ قَالَ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قِيلَ إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ إلَخْ) هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) تَسَاهُلٌ فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّتِي هِيَ عَشِيَّتُهُ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ انْتَهَى فَتْحٌ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ) خَنَسَ بِالْخَاءِ وَالنُّونِ أَجْوَدُ مِمَّنْ قَالَ حَبَسَ الْإِبْهَامَ بِمَعْنَى عَطَفَهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ فَصُمْ يَوْمًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ السُّرَرَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ صُمْ يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا وَإِلَّا قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا

وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سُرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَيَصِيرُ حَدِيثُ السُّرَرِ لِلِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي صَوْمِ دَاوُد الْكُلَّ أَيْ يَوْمَ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سِرَارُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ اسْتَسَرَّ الْقَمَرُ أَيْ خَفِيَ لَيْلَةَ السِّرَارِ فَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَةً وَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي زِيَادَةِ يَوْمٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>