للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا اخْتَلَفَ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ كَاللُّبْسِ الْمُتَفَرِّقِ وَالتَّطَيُّبِ الْمُتَفَرِّقِ فِي مَجَالِسَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ وَبِخِلَافِ حَلْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا لِرُبْعِهِ حُكْمَ كُلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ حَلْقِ الْبَاقِي فَإِذَا حَلَقَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا كَفَّارَةٌ أَمْكَنَ التَّدَاخُلُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ، وَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِي مَجْلِسٍ تَصَدَّقَ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَلَّمَ خَمْسَةَ أَصَابِعَ مُتَفَرِّقَةً وَكَذَا إذَا قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِقَلْمِ كُلِّ ظُفْرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِ ثَلَاثٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا قُلْنَا: إنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ لِكَوْنِهِ رُبْعَ الْأَصَابِعِ فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ فَصَارَ كَرُبْعِ الرَّأْسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَلَّمَ خَمْسًا مُتَفَرِّقَةً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، قُلْنَا: إنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ، وَالْقَلْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى بِهِ، وَيَشِينُهُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عُضْوٌ يَخُصُّهُ فَجَعَلَ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِيهِ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ) لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْك مَا أَرَى أَتَجِدُ شَاةً قُلْتُ لَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] قَالَ: هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُسِّرَ النُّسُكُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشَّاةِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ لِلضَّرُورَةِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ ثُمَّ الصَّوْمُ يُجْزِيهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَكَذَا الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا، وَأَمَّا النُّسُكُ فَمُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ تُجْزِيهِ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ بِالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ»، وَهِيَ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْإِطْعَامُ، وَهُوَ جَعْلُ الْغَيْرِ طَاعِمًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ فَلَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَصَارَ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ وَلَا شَيْءَ إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ بِالْمَحَلِّ فَأَشْبَهَ التَّفْكِيرَ وَهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ شَاةٌ إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ إذَا فَعَلَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الدَّمُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَطَعَامُ الْإِبَاحَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ يَجُوزُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ بَدَلًا عَنْ الصِّيَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

{فَصْلٌ} قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ؛ إذْ التَّطَيُّبُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا تُعْطِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: سِوَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ هُوَ الْجِمَاعُ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَكَذَا الِاحْتِلَامُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى الْغُسْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِفَرْجِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُتَّكِئَةً؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ، وَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَسُّ وَالتَّقْبِيلُ مِنْ شَهْوَةٍ، وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ حَصَلَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِاجْتِمَاعِ الْعُضْوِ، وَهُوَ جِمَاعٌ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ اسْتَمْتَعَ اسْتِمْتَاعًا مَقْصُودًا، وَهُوَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِنْزَالُ وَكَذَا التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ لَكِنْ لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لِعَدَمِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صُحِّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهٍ مُوَافِقٍ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَرَادَ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ الِاسْتِعْمَالَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ قَضَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>