للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرُ لِلْقِرَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ، وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ لِلْقِرَانِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ دَمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ ثُمَّ عِنْدَهُ يَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ دَمَانِ إجْمَاعًا دَمُ الْقِرَانِ وَدَمٌ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَقَدْ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ وَيَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَجِبَ خَمْسَةُ دِمَاءٍ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثَةٌ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَدَمَانِ لِلْجِنَايَةِ فِي إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ مَضْمُونٌ بِدَمَيْنِ وَحَلْقُهُ قَبْلَ أَوَانِهِ جِنَايَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ وَكَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ دَمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ، وَبَحْرِيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ، وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] الْآيَةَ وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا وُجُوبُهُ بِالْقَتْلِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] وَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِهِ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ فَأَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ؛ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ إذْ دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّلَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ الْحَلَالِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، وَأَنْ يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَلَتَ صَارَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ انْدَمَلَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّاسِي وَالْعَامِدُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا كَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] لِأَجْلِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥] وَالْمُبْتَدِئُ فِي الْحَجِّ، وَالْعَائِدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْمُبْتَدِئُ فِي الْقَتْلِ، وَالْعَائِدُ لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا، أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَالْفِطْرِ، أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) أَيْ الْجَزَاءُ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَوْضِعٍ قُتِلَ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا أَوْ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا، وَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا قُلْنَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً، وَزَعَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَالْعُصْفُورِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمَا كَانَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَنَّهُ يَصُومُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ اهـ (قَوْلُهُ: وَدَمٌ لِلْقِرَانِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا تَتَضَاعَفُ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْمُفْرِدَ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ لَيْسَ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ.

[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]

{فَصْلٌ} (قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ١] أَيْ مُحْرِمُونَ جَمْعُ حَرَامٍ كَرُدُحٍ فِي جَمْعِ رَدَاحٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ أَيْ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ عَالِمًا أَنَّ مَا يَقْتُلُهُ مِمَّا يَحْرُمُ قَتْلُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ رَمَى صَيْدًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ. اهـ. مَدَارِكُ (قَوْلُهُ: وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَدَارِكِ: وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعَمُّدُ فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ عَنَّ لَهُمْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِمَارُ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ فَقَتَلَهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّك قَتَلْتَ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَنَزَلَتْ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِعْلُ التَّعَمُّدِ، وَالْخَطَأُ يُلْحَقُ بِهِ لِلتَّغْلِيظِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ نَزَلَ الْكِتَابُ بِالْعَمْدِ، وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْخَطَأِ. اهـ. مَدَارِكُ

(قَوْلُهُ: يَعُبُّ وَيَهْدُرُ) عَبَّ مِنْ بَابِ طَلَبَ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الْجَرْعَ، وَالْحَمَامُ يَشْرَبُ هَكَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهَدَرَ الْبَعِيرُ وَالْحَمَامُ إذَا صَوَّتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ انْتَهَى أك (قَوْلُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا) أَيْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>