للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْوُقُوفِ لَا بِالتَّوَجُّهِ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالتَّوَجُّهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِ الْقِرَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَمَضَى عَلَيْهِمَا يَجِبُ دَمٌ) يَعْنِي لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّوَافِ لِلْحَجِّ طَوَافُ الْقُدُومِ وَبِالْمُضِيِّ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ أَخَّرَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَكُونُ قَارِنًا عَلَى حَالِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَدَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) أَيْ رَفْضُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّرْتِيبُ فِي الْفِعْلِ مِنْ وَجْهٍ بِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَفِيمَا سَبَقَ لَمْ يَفُتْ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يُقَدِّمْ إلَّا الْإِحْرَامَ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ

وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَيْسَ بِرُكْنِ الْحَجِّ، وَإِذَا رَفَضَهَا قَضَاهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ وَلَزِمَهُ الرَّفْضُ وَالدَّمُ وَالْقَضَاءُ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَرْكَانَ الْحَجِّ فَيَكُونُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ خَطَأً مَحْضًا، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ فَتُرْفَضُ فَإِذَا رَفَضَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا قَبْلَ أَوَانِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا بِخِلَافِ صَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ قَدْ بَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إفْسَادُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الصِّيَانَةِ، وَهُنَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهُوَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ) أَيْ إذَا مَضَى عَلَى الْعُمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْأَيَّامِ وَلِتَخْلِيصِ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ دَمٌ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِالْمُضِيِّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ بِالْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ قُلْنَا: قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَهُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِعْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا إحْرَامًا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ لِذَلِكَ، وَقِيلَ: إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَرْفُضُهَا كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا تُرْفَضُ مِنْ غَيْرِ رَفْضٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ رَفَضَهَا) أَيْ رَفَضَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا، وَهُوَ بِدْعَةٌ فَيَرْفُضُهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا، وَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا فَيَرْفُضُهَا، وَنَظِيرُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ هُوَ مُقْتَدِي تَحْرِيمَةً؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ أَدَاءً حَتَّى تَلْزَمَهُ الْقِرَاءَةُ وَالسُّجُودُ بِسَهْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَابُ الْإِحْصَارِ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَلَوْ طَافَ) أَيْ الرَّجُلُ الَّذِي أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ) وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَجُبِرَ عَلَى مَا اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) هَذَا مَا وَعَدَ بِهِ فِي بَابِ الْقِرَانِ اهـ وَذَكَرَ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ أَهَلَّ) أَيْ أَحْرَمَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ قَدْ بَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ) أَيْ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ ضِيَافَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَيُؤْمَرُ بِالْإِفْطَارِ، فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهُنَا لَا يَلْزَمُ الْمَعْصِيَةُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَدَاءُ أَفْعَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ) يَعْنِي إنْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ يَعْنِي إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ اهـ اك (قَوْلُهُ: أَوْ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ) قَالُوا: وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْضًا. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ قَالُوا: وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ أَوْ لِلْجَمْعِ فِي الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفُضُهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ)؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَلَقَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ) أَيْ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) أَيْ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: ١٥٥] أَيْ مِنْ قَوْمِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ضُمِّنَ فِيهِ مَعْنَى صَارَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَيَرْفُضُهَا) أَيْ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَدَمٌ لِرَفْضِهَا لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ عَنْ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ فَائِتِ الْحَجِّ وَبَيَانُهُ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ حَاجٌّ إحْرَامًا؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَمُعْتَمِرٌ أَدَاءً؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. اهـ.

[بَابُ الْإِحْصَارِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>