للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا: حُجِّي عَنْ أَبِيك وَلَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ حَجَّتْ عَنْهَا أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَسَأَلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لَبَيَّنَهُ لَهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ: وَقَعَ حَجُّك هَذَا عَنْ نَفْسِك فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَجٌّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَجَّهُ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ

وَفِي الْحَجِّ شُرِعَ فِيهِ النَّفَلُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمَرِ وَقْتٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ يَنْوِي الْأَدَاءَ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِفَسْخِ حَجِّهِ عَنْ شُبْرُمَةَ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِرَفْضِ الْحَجِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ شُبْرُمَةَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ أَبَا الْفَرَجِ ذَكَرَ لَهُ طُرُقًا وَبَيَّنَ ضَعْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ فِي الْحَجِّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَعَمْ» وَإِنَّمَا قَرَنَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَوَازِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ، وَسُقُوطُ الْحَجِّ بِفِعْلِ الْوَارِثِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ قَطْعًا فَعَلَّقَ السُّقُوطَ بِالْمَشِيئَةِ احْتِرَازًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَطْعًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ الْهَدْيِ) الْهَدْيُ مَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَدْنَاهُ شَاةٌ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) أَيْ الْهَدْيُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا) وَهُوَ الثَّنِيُّ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَيُجْزِي الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّاةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَرَادَ بِالرُّكْنِ رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَبِالْوَطْءِ بَعْدَ الْوُقُوفِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَيْهِ بَدَنَةً، وَفِي غَيْرِهِمَا شَاةٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) أَيْ يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٣٦] أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَأَقَلُّهُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَلِحَدِيثِ «جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ فَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَارِنًا، وَكَذَا عَائِشَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِمَا تَلَوْنَا، وَالْمُرَادُ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا بَلَغَ الْحَرَمَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْحَرَمِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالتَّصَدُّقِ، وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَأْكُلُ هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ «لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا» وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَطِبَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا إلَخْ) اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ: ثُمَّ الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ إلَخْ.

[بَابُ الْهَدْيِ]

(بَابُ الْهَدْيِ) لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ نُسُكًا وَجَزَاءً وَمُؤْنَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الْبَابُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَبْوَابُ السَّابِقَةُ فَإِنَّ الْهَدْي إمَّا لِمُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ كَفَّارَةِ جِنَايَةٍ أُخْرَى فَأَخَّرَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَكَذَا الْبَاقِي وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَوَالَاتٍ تَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرَاتِ مَفْهُومَاتِهَا وَتَصْدِيقَاتِ بَعْضِ أَحْكَامٍ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. ع

(قَوْلُهُ: أَنْ يَأْكُلَهُ) أَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ اهـ (فَرْعٌ) وَلَا يَتَصَدَّقُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى وَلَدِهِ وَنَوَافِلِهِ وَلَا عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى هَؤُلَاءِ صَرْفٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِخْرَاجُ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنْ أَعْطَى ذِمِّيًّا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَسَاكِينِ إلَّا أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ لَهُ وُصْلَةً لِلدِّينِ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الْأَسْلَمِيُّ كَانَ نَازِلًا فِي بَنِي سَلِمَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَبَقِيَ إلَى دَهْرِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا قَالَ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَدْيِهِ حِينَ تَوَجَّهَ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا عَلَى هَدْيِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>