للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحٌ وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْعَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ؛ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي إيَّاهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ

وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لَأَجَابَهَا بِمَا طَلَبَتْ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهَا، وَلِأَنَّهُ قَضَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ؛ وَلِهَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ يَقِينًا، وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ إذَا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَحَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي وَفَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَاذِبٌ، وَكَذَا اللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شَهَادَةٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا بِيَقِينٍ، وَيَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ الْكَذِبَ بِيَقِينٍ ثُمَّ يُجْعَلُ قَضَاءُ الْقَاضِي إنْشَاءً؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ، وَمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا تَحِلُّ لَا لِلْأَوَّلِ، وَلَا لِلثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَأْتِيهَا الْأَوَّلُ سِرًّا وَالثَّانِي عَلَانِيَةً، وَقَدْ جَعَلَ لَهَا زَوْجَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْوُجُوهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَنْفُذُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا مِلْكِي، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةً فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ ذَكَرَ سَبَبًا مُعَيَّنًا صَارَ عَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي إنْشَاءً مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَبَبًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَالْإِرْثِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ إلَخْ) لَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقَاضِي إنْشَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ فَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ، أَوْ هِيَ ادَّعَتْ النِّكَاحَ أَوْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَذِبًا وَبَرْهَنَتْ زُورًا فَقَضَى بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ نَفَذَ ظَاهِرًا فَتُطَالِبُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ وَبَاطِنًا فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ وَلَهَا تَمْكِينُهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمَعْنَى مِنْ النَّفَاذِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالتَّحْرِيمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِتْيَانِهَا بِالطَّرِيقِ الْبَاطِلِ إثْمٌ يَا لَهُ مِنْ إثْمٍ غَيْرَ أَنَّ الْوَاطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِلٍّ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ) أَيْ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ إلَخْ) فَلَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ أَوْ عَلَى الرَّجُلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ ادَّعَى الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ذَكَرَهُ الزَّعْفَرَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ) أَيْ وَتَحِلُّ لِلثَّانِي. اهـ. لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ عَلَى الْغَيْرِ أَحْيَانًا بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ وَأُخْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي) قَالَ الْكَاكِيُّ: ثُمَّ فِيمَا قَالَا تَعْطِيلُ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي وَلَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ اهـ. وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ صَدَّرَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ السَّرَخْسِيِّ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِهِمَا بَاطِنًا رِوَايَتَانِ إذَا ادَّعَى كَذِبًا، وَجْهُ الْمَانِعِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا عِوَضٍ. اهـ.

[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ]

قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَلَّلَاتُ شَرَعَ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُحَلَّلَةً شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ وَالْكُفْءُ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ لَا يَثْبُتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>