للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ تَزَوَّجْتُك. فَعَقَدَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ: أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا؟ قَالَتْ نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ وَلَمْ يَسْلَمْ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهِ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَهْرًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالْخُلْعِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ إذَا صَالَحَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُضَافًا إلَيْهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ الْتَزَمَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ التَّفْرِقَةَ طَلَاقًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نُفُوذِهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا إلَيْهَا، فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي إنَّمَا أَرَدْت لِأَعْلَمَ هَلْ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ؟ وَأَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا»؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الزَّوْجِ الْكُفْءِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ إجَازَةٌ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا

وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا]

مِنْ أَحْكَامِ الْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ وَيَبْقَى الرَّسُولُ نَذْكُرُهُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ إذْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، غَيْرَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْوَلِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَانِيَةً لِلْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَأَوْرَدَهَا ثَانِيَةً فِي التَّعْلِيمِ لِبَابِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْفُضُولِيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْإِجَازَةِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى الْوَلِيِّ الْمُجِيزِ فَنَزَلَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ كَالشَّرْطِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْقِبْ بِنَفْسِهِ حُكْمَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالْوَلِيِّ إنْ نُظِرَ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَإِنْ نُظِرَ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْفَصْلِ لِلْوَكِيلِ أَوْ لَا وَبِالذَّاتِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ) أَيْ الصَّغِيرَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) بِغَيْرِ إذْنِهَا فَيَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ أَوْ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ) أَيْ وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ اثْنَيْنِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمُعَبِّرٌ) أَمَّا كَوْنُهُ مُعَبِّرًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ عِبَارَةَ الْعَقْدِ صَدَرَتْ مِنْهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَفِيرًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَيْسَتْ بِرَاجِعَةٍ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. ق (قَوْلُهُ: وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ) أَيْ دُونَ التَّعْبِيرِ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِالْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْأَبُ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَإِلَّا فَبَيْعُ الْأَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ بَلْ الْوِلَايَةُ وَالْأَصَالَةُ، ثُمَّ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُولَ قَبِلْت، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَالَامَةُ نَفَذَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ) أَيْ عَلَى التَّوَقُّفِ إنَّمَا الضَّرَرُ فِي إبْرَامِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا رَأَى) أَيْ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَحْصُلُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَا يَتَّفِقُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْبَائِعِ بِتَرَاخِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى اخْتِيَارِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ فَعَدَمُ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَلَى عَقْدِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ يُرْجَى نَفْعُهُ وَاسْتِعْقَابُهُ حُكْمَهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَوَجَبَ انْعِقَادُهُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا رَأَى إلَخْ فَقَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِهِ فَيَلْغُو مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ إذَا أَيِسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مِمَّا يَمْنَعُ وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وَإِنْ أُرِيدَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فُضُولِيٌّ فَمُنَوَّعٌ بَلْ أَهْلُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إثْبَاتِ حُكْمِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>