للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ زُفَرُ تَبِينُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَزِيَادَةً فَكَانَ أَوْلَى بِالْبَيْنُونَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ ابْتِدَاءً، فَيَكُونُ مُنَافِيًا بَقَاءً كَرِدَّةِ أَحَدِهِمَا وكالمحرمية، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا وَلَمْ تَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ وَارْتِدَادُهُمْ وَإِسْلَامُهُمْ وَاقِعٌ مَعًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ ارْتِدَادَهُمْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَأَنَّى يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِنْدَ جَهَالَةِ التَّارِيخِ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْكُلَّ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَوْتِ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى حَتَّى لَا يَرِثَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهِمَا دَيْنٌ وَلَا دَارٌ فَيَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ كَمَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ ارْتِدَادَهُمَا مَعًا وَإِسْلَامَهُمَا دَلِيلُ الْمُوَافَقَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا لِظُهُورِ الْخُبْثِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالطَّيِّبِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ هُنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الِابْتِدَاءِ مَنْعُ الْبَقَاءِ كَعِدَّةِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَانَتْ لَوْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا بَقِيَ الْآخَرُ عَلَى رِدَّتِهِ فَتَحَقَّقَ الِاخْتِلَافُ، وَهَذَا لِأَنَّ إصْرَارَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَإِنْشَائِهِ فِيهَا فَتُضَافُ الْفُرْقَةُ إلَيْهِ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْمُتَأَخِّرَةُ هِيَ الْمَرْأَةُ قُبَيْلَ الدُّخُولِ وَسَقَطَ الْمَهْرُ وَإِنْ تَأَخَّرَ الزَّوْجُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ فَتَمَجَّسَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقَعُ؛ لِأَنَّهُمَا ارْتَدَّا مَعًا؛ لِأَنَّ تَمَجُّسَ النَّصْرَانِيَّةِ كَإِحْدَاثِ أَصْلِ الْكُفْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَإِحْدَاثُهَا كَإِحْدَاثِ الرِّدَّةِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَرْأَةُ تُقَرُّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالِانْتِقَالُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُجْعَلُ كَالْإِنْشَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَهَوَّدَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ فَيَقُولُ إنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا، فَيَكُونُ إحْدَاثُهَا كَالِارْتِدَادِ بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَجَّسَتْ وَحْدَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَهَوَّدَتْ لَا تَقَعُ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْقَسْمِ.).

وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ الْأَقْسَامِ، وَالنَّصِيبُ مِنْ الْخُبْزِ كَالطَّحْنِ لِلدَّقِيقِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ وَالْجَوْهَرِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ وَالْجَدِيدَةُ كَالْقَدِيمَةِ وَالْمُسْلِمَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: ٣] مَعْنَاهُ أَنْ لَا تَجُورُوا وقَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: ١٢٩].

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِ الْإِرْسَالُ أَصَحُّ

وَهَذِهِ النُّصُوصُ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالصَّحِيحَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْحَامِلِ وَالْحَائِلِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمُولَى مِنْهَا وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ سَبْعًا، وَعِنْدَ الثَّيِّبِ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثًا وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إلَّا إذَا طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ بَطَلَ حَقُّهَا وَيَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الْمُدَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ.» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ

وَرَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَسَمَ وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ حِينَ تَزَوَّجَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ إنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: قَالَ زُفَرُ تَبَيَّنَ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ إنَّ ارْتِدَادَهُمْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمَذْكُورُ فِي الْحُكْمِ بِارْتِدَادِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْعُهُمْ الزَّكَاةَ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ أَنَّ مَنْعَهُمْ كَانَ لِجَحْدِ افْتِرَاضِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ لَازِمٌ وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاهُمْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ قِتَالِهِمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِمْ حَقًّا شَرْعِيًّا وَعَطَّلُوهُ اهـ.

[بَابُ الْقَسْمِ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَأَقْسَامِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْكُفَّارِ وَحُكْمُهُ اللَّازِمُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ شَرَعَ فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وَهُوَ الْقَسْمُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَنَفْسُ النِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ الْأَقْسَامِ وَالنَّصِيبُ) وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ بِخِلَافِ الثَّانِي اهـ.

عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) أَيْ وَالتِّرْمِذِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَنْبَلٍ) أَيْ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَلَمْ يُبَيِّنْ فَبِمَاذَا، وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْقَسْمِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، لَكِنْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ فَبِقَدْرِ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا يُعَاشِرُ الْأُخْرَى بِقَدْرِهِ، بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ اهـ.

كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: «فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ») يَعْنِي الْقَلْبَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ) فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبْلَاتِ، وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إجْمَاعًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ إلَخْ) وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>