للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ.

(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ)، وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) يَعْنِي نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَلَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ. وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ضَرُورَةً فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَعَدَمَ حَذْفِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَلِهَذَا يَقَعُ فِيهِمَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ صُمْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ بَلْ إذَا شَغَلَ جُزْءًا مِنْهُ يَكْفِي كَمَا يُقَالُ قَعَدْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعَامِّ وَهُوَ مَجَازٌ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي أَوْ فِي عُمْرِي أَوْ الدَّهْرَ أَوْ فِي الدَّهْرِ وَسِرْتُ فَرْسَخًا أَوْ فِي فَرْسَخٍ وَانْتَظَرْته يَوْمًا أَوْ فِي يَوْمٍ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَذْفُ وَعَدَمُهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الشَّيْءُ بَيْنَ تَقْدِيرِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ خَرْجَةٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك يُكْتَفَى بِإِذْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْبَاءُ فِيهِ مُقَدَّرَةً وَلَا يُقَالُ هُوَ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي غَدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا يَعْتِقُ مُقَارَنًا لِلْغَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَدِ لِكَوْنِ مَجِيءِ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ حَتَّى تَجِبَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْغَدَ جَاءَ وَهُوَ عَبْدُهُ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ تَأْخِيرُ حُكْمِهِ عَنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ إلَى زَمَانٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ) أَيْ فَإِنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَنَجَّزُ اهـ (قَوْلُهُ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوجَدُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى آخِرَ رَمَضَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ ذَكَرْنَاهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمُضَافُ إلَى الْوَقْتِ يَقَعُ بِأَوَّلِهِ وَالْمُضَافُ إلَى الْفِعْلِ يَقَعُ بِآخِرِهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَغَدًا وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثِ دَخَلَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْيَوْمَ كُلَّهُ وَلَمَّا عَلَّقَ بِالْفِعْلِ لَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ اهـ شَرْحُ التَّلْخِيصِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِتَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِشَرْحِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَثَنَّى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ) أَيْ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِذَا عَيَّنَ جُزْءًا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَصْدِيًّا وَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورِيٌّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمُرِي) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْعُمُرِ حَتَّى لَا يَبَرَّ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي عُمُرِي) يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: ٥١] ذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَقْرُونَةً بِحَرْفِ فِي، وَذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِفِي؛ لِأَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُسْتَوْعِبَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَارُ جَزَاءٍ فَأَمَّا نُصْرَتُهُ إيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ اهـ آخِرُ التَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي) أَيْ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت خَرَجْتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى ظَرْفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَجَلَسْت فِي الدَّارِ فِي تَسْمِيَتِهِ ظَرْفًا اصْطِلَاحًا خِلَافُ ابْنِ عَقِيلٍ. اهـ. .

. (قَوْلُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ) أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ غَدًا لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِعَ فِي الْحَالِ وَاقِعًا غَدًا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ. اهـ. رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْغَدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا فِي الْيَوْمِ فَلَغَا قَوْلُهُ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ اهـ رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا) فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>