للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا لَمْ يَقْرُنْ الظَّرْفَ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قَرَنَهُ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى لِعَدَمِ الْقِرَانِ بِالْكِنَايَةِ فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الثَّانِيَةِ وُقُوعًا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَيَقْتَرِنَانِ وَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ لِقَرْنِ الظَّرْفِ بِالْكِنَايَةِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا عَلَى الْأُولَى وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَقْتَرِنَانِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وُجُودًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمَا عِنْدَ الشَّرْطِ وَحَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَا جُمْلَةً ضَرُورَةً كَمَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ فِي الْوُقُوعِ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ فَشَارَكَتْ الْأُولَى فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ فَكَذَا إذَا صَارَ كَالْمُنَجَّزِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ تَوَقَّفَ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي آخِرِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَيَانِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ مِنْ شَرْطٍ وَغَيْرِهِ

فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ نَجَّزَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهُ مُرَتَّبًا فِي الْمُنَجَّزِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي الْمُعَلَّقِ قُلْنَا قَوْلُهُ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مُقَامَ الْأَوَّلِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَ الشَّرْطِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يُنْحَلُ بِهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا نَجَزَهُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ يَصِحَّ التَّكَلُّمُ مِنْهُ بِالثِّنْتَيْنِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى

وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لِلْعَطْفِ كَالْوَاوِ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَصَارَتْ كَكَلِمَةِ ثُمَّ وَبَعْدَ بِخِلَافِ الْوَاوِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ثِنْتَانِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ الْكِنَايَاتِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّتِهِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرَجِّحِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا اعْتِبَارَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ) أَيْ اقْتَرَنَتْ بِالضَّمِيرِ أَوَّلًا. اهـ. عَيْنِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ اَ هـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ) أَيْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً. اهـ.

[بَابُ الْكِنَايَاتِ]

(بَابُ الْكِنَايَاتِ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ إفْهَامًا كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>