للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّرِيقَةِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ، وَلِأَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ بِالنَّصِّ أَيْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الرَّأْسِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا مَسَحَهُمَا بِمَاءٍ مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ فَالْأُذُنُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ، وَقَوْلُهُ مَرَّةً مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثًا كَالْمَغْسُولِ، وَلَنَا «أَنَّ عُثْمَانَ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ مَرَّةً» وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْغَسْلِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْمَسْحِ فَلَا يُفِيدُ التَّكْرَارُ فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ وَالتَّيَمُّمِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِذِكْرِهِ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] الْآيَةَ فَأَوْجَبَ غَسْلَ الْوَجْهِ عَقِيبَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَمَنْ أَجَازَ الْبُدَاءَةَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ فَصَلَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ» الْحَدِيثَ وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْفَاءِ قُلْنَا إنَّ الْفَاءَ وَإِنْ اقْتَضَتْ التَّرْتِيبَ لَكِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ بِالْوَاوِ مَعَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدَةِ فَأَفَادَتْ تَرْتِيبَ غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لَا تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] فَلِلْقَاتِلِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ إجْمَاعًا.

وَلَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ إذَا دَخَلْت السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا وَخُبْزًا وَمَوْزًا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِثُمَّ فَإِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْبُدَاءَةَ بِالْيَدَيْنِ وَهُوَ يُوجِبُهُ بِالْوَجْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَصَارَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: ١١] أَيْ وَصَوَّرْنَاكُمْ، وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: ١١] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: ١٢] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٤] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: ١٥] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧] أَيْ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَقْتَ الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَافِرِ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ آمَنَ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» يُوجِبُ التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُرَتَّبًا قُلْنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِابْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَاءُ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ الْعُضْوَ الثَّانِيَ قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ غَيْرِ الْوُضُوءِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ حَتَّى فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْحُ رَقَبَتِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَيْهَا.

وَمِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَتَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَقْتِ وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَأَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ) أَيْ يَمُدُّ الْأَصَابِعَ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إلَى الْقَفَا، ثُمَّ يَمْسَحُ الْفَوْدَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ انْتَهَى يَحْيَى السِّيرَامِيُّ (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ) أَيْ وَضْعِ الْكَفَّيْنِ وَمَدِّهِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ) أَيْ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ غَسْلٌ فَتُغَيِّرُ وَظِيفَةَ الرَّأْسِ، وَقِيَاسُنَا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَمْسُوحُ عَلَى الْمَغْسُولِ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَمْسُوحِ عَلَى الْمَمْسُوحِ انْتَهَى.

ابْنُ فَرْشَتَةَ (قَوْلُهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ) لِيَخْرُجَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ (قَوْلُهُ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ» إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوْ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: ١١] أَيْ وَصَوَّرْنَاكُمْ وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: ١١] إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧] أَيْ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَقْتَ الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَافِرِ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ آمَنَ بَعْدَهُ كَذَا فِي أَصْلِ نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى السِّيرَامِيِّ الَّتِي بِخَطِّ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَايَتِيِّ قَالَ السِّيرَامِيُّ لَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي الْمُسَوَّدَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ) أَيْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ قَبُولِ الصَّلَاةِ بِدُونِ آدَابِهِ فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْوُضُوءِ دُونَ سُنَنِهِ وَآدَابِهِ انْتَهَى يَحْيَى

[مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء]

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ رَقَبَتِهِ) أَيْ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بَلَّتِهِمَا وَالْحُلْقُومُ بِدْعَةٌ انْتَهَى كَمَالٌ، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ انْتَهَى

[آدَاب الْوُضُوء]

(قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِيهِ بِغَيْرِهِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ بِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْفَجْرِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِثَوَابِهِ وَأَخْلَصَ لِعِبَادَتِهِ انْتَهَى وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أُسَامَةَ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُضُوئِهِ»، وَكَذَلِكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَفِي شَرْحِهِ لِمُغَلْطَاي قَالَ فِي الطَّبَرِيِّ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ الْوَضُوءَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْمَنْعُ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ لِأَنَّ رَاوِيَ الْمَنْعِ عَنْهُ أَيَقَعُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَثَبَتَ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ النَّضْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْجَوْنِ عَنْهُ وَهُمَا غَيْرُ حُجَّةٍ فِي الدِّينِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أُسَامَةُ تَبَرَّعَ بِالصَّبِّ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدْعِيَ الْإِنْسَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>