للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجْعَةً لِمَا نَهَى عَنْهَا لِكَوْنِهَا مَنْدُوبًا إلَيْهَا، وَلِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْآخَرَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَتَعْلِيلُهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا. وَقَوْلُهُ تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً لِكَوْنِهَا حَرَامًا بِدُونِهَا إلَخْ يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ أَيْضًا وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ وَالْمُسَافَرَةِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ لَهَا مَعَ الْمَحْرَمِ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمِلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا لَمَا اُحْتُسِبَتْ إذْ الْعِدَّةُ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ وَصَوْنِ الْمَاءِ بِالنِّكَاحِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْعِدَّةِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَيْثُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْفَسْخِ فَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ عَمِلَ الْبَيْعُ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْحَاصِلَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا يَلْزَمُنَا إسْنَادُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَلَا يُمْكِنُ إبَاحَتُهَا بِدُونِ حِلِّهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا لَا تُكْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ الْكَرَاهِيَةَ فِيهَا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَرِّمُهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَبَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْقَيْدِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَانْعَدَمَتْ الزَّوْجِيَّةُ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَا تُحْتَسَبُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] سَمَّاهُ بَعْلًا وَهُوَ الزَّوْجُ وَجَعَلَهُ أَحَقَّ بِرَدِّهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَلُّكِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالرَّدُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَبِالطَّلَاقِ حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ بِالرَّجْعَةِ رَدَّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣١] يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ إذْ الْإِمْسَاكُ هُوَ الِاسْتِدَامَةُ، وَلِهَذَا تَنَاوَلَهَا لَفْظُ الْأَزْوَاجِ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَاللِّعَانِ وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَتَّى جَرَى التَّوَارُثُ وَاللِّعَانُ بَيْنَهُمَا وَوُجُوبُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَفْظَةُ نِسَائِهِمْ تَنَاوَلَهَا فِي آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى صَحَّ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا فَكَذَا تَنَاوَلَهَا قَوْله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ إلَخْ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَاطِعِ مُؤَخَّرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَكَانَ يُشْتَرَطُ رِضَاهَا وَالْوَلِيُّ وَالْمَهْرُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي الْحِلَّ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا وَإِنَّمَا أَثَرُهَا فِي إبْطَالِ الْعِدَّةِ وَالْحِلُّ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ. .

(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي أَبَانَهَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَبِالْوَاحِدَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَكَامَلْ الْعَدَدُ وَالْمَنْعُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِئَلَّا يُشْتَبَهَ النَّسَبُ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إبَاحَتِهِ لَهُ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمُبَانَةُ بِالثَّلَاثِ لَوْ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ، وَلَوْ مُرَاهِقًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الَّتِي أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الزَّوْجُ صَبِيًّا مُرَاهِقًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ إذَا وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ إذْ الرِّقُّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ بِالصَّحِيحِ خُصُوصًا فِيمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فِيمَا مَضَى حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ) أَيْ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ رَجْعَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا) أَيْ لَوْلَا تَنَاوُلُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] لَمَا رُوعِيَ لَهَا وَقْتُ السُّنَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) لَمَّا ذَكَرَ التَّدَارُكَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ بِالرَّجْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّدَارُكِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلْقَاتِ فَفِي الْحُرَّةِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ التَّدَارُكُ نِكَاحٌ جَدِيدٌ وَفِي الثَّلَاثِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ نِكَاحِهِ، وَكَذَا التَّدَارُكُ فِي الْأَمَةِ فِي الثِّنْتَيْنِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ مَعَ انْعِدَامِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالشِّرْكِ وَالْعِدَّةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَإِنَّمَا يَزُولُ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَجَازَ التَّزَوُّجُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعِدَّةَ إلَى الزَّوْجِ لِلتَّسَبُّبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>