للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ مُدَّةَ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا كَحَالِ الْوِلَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَصُومُ فِيهَا، وَلَا تُصَلِّي، وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتَهُ عَنْ النَّفْيِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ مُدَّتُهَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ تُوجَدُ فِي زَمَانٍ قَصِيرٍ، وَقَدْ لَا تُوجَدُ فِيهِ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، وَالْبُلْدَانِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى رَأْيِ مَنْ لَاحَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُدَّةُ الْعَقِيقَةِ، وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَقَالَ نَصْبُ الْمُقَدَّرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ نَفْيُهُ إلَّا عَلَى فَوْرِ الْوِلَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ، وَالنَّظَرِ كَيْ لَا يَكُونَ نَفْيُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْفِصَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَمَا شَاخَ، وَهُوَ قَبِيحٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ، وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ) أَيْ أَتَى بِعَكْسِ الْأَوَّلِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَنَفَى الثَّانِي فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ فَلَا يَنْفَصِلَانِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ، وَهُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ، وَالْحَيِّ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ وَاللِّعَانُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ، وَيَثْبُتُ النَّفْيُ تَبَعًا لَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَلَا يُلَاعِنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبَ فَإِذَا فَاتَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ اللِّعَانِ حَالَ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ مِنْ بَعْدُ وَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بِيَوْمٍ لَزِمَهُ الْوَلَدَانِ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي فَثَبَتَ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاللِّعَانُ مَاضٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ انْتِفَائِهِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا ابْنَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وُجِدَ الرُّجُوعُ مِنْهُ صَرِيحًا وَلَوْ قَالَ لَيْسَا بِابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ، وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْقَاضِي نَفَى أَحَدَهُمَا، وَذَلِكَ نَفْيٌ لَهُمَا فَلَمْ يَكُونَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ).

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْأَبْكَارِ) أَوْ لَا يَصِلُ إلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا فَحَسْبُ، وَهُوَ مِنْ عَنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ يَمِينًا وَشِمَالًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ) وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ أَحْسَنَ اللَّهُ بَارَكَ اللَّهُ جَزَاك رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ عَلَى دُعَاءِ الْمُهَنِّي اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَعِنْدَهُ قَدْرَ مُدَّةِ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَاذِفٌ إلَخْ) وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إكْذَابُ النَّفْسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ صَرَّحَ بِهِمَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِاعْتِرَافِ الثَّانِي قِيلَ لَهُ التَّكْذِيبُ قَبْلَ الْقَذْفِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَتَى قَذَفْت هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَأَنَا كَاذِبٌ فِي قَذْفِهَا ثُمَّ قَذَفَهَا أَنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا يُحَدُّ، كَذَلِكَ هَذَا أَوْ نَقُولُ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا، وَقَالَ هِيَ عَفِيفَةٌ عَنْ الزِّنَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْذَابَ النَّفْسِ، فَكَذَا هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوْ قُتِلَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ الْآنَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ. اهـ. فَتْحٌ

[بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ]

وَهُوَ الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ لِلْعِنِّينِ نِسْبَةٌ بِالنِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ جَمِيعًا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعِنِّينِ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا لَكِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَبْوَابِ الطَّلَاقِ لِكَوْنِ الْعُنَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَوَارِضِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْأَصِحَّاءِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَعْقَبَهَا بِذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى النِّكَاحِ، وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ عُنَّ إذَا مَرِضَ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَقْصِدُ لِاسْتِرْخَائِهِ، وَجَمْعُ الْعِنِّينِ عُنُنٌ، وَيُقَالُ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعَنُّنِ، وَلَا يُقَالُ بَيِّنُ الْعُنَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ لِضَعْفِ الْآلَةِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ كِبَرٍ فَهُوَ عِنِّينٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا، وَمَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤْتَى بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَيَجْلِسُ فِيهِ الْعِنِّينُ فَإِنْ نَقَصَ ذَكَرُهُ، وَانْزَوَى عُلِمَ أَنَّهُ لَا عُنَّةَ بِهِ، وَإِلَّا عُلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ لَوْ اُعْتُبِرَ عِلْمُهُ فَلَا يُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ إلَّا لِيُعْرَفَ أَنَّهُ عِنِّينٌ عَلَى مَا قَالُوا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ أُجِّلَ مَعَ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأْجِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ

وَفِي الْمُحِيطِ آلَتُهُ قَصِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا كَالزِّرِّ فَحُكْمُهُ كَالْمَجْبُوبِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ) بِكْرًا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ ثَيِّبًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>