للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَطْءَ قَبْضٌ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ نَابَ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَكَانَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا، وَلَمْ تَقُمْ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحِيحًا، وَالثَّانِي فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ) وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَالْكَافِرَةُ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَجِبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ لِلزَّوْجِ، وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ، وَلَا لِلثَّانِي لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ، وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا تَتَزَوَّجُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ التَّبَايُنِ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوَ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ هُوَ، وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَأَرْبَعًا سِوَاهَا عَقِيبَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ حَتَّى صَارَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَلَا حُرْمَةَ لِفِرَاشِهِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْحَرْبِيِّ فَيَمْتَنِعُ التَّزَوُّجُ كَحَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا.

(فَصْلٌ).

فِي الْإِحْدَادِ، وَهُوَ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ، وَحَدَّتْ تَحِدُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ حَدًّا فَهِيَ حَادٌّ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُحِدُّ مُعْتَدَّةٌ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ، وَالْحِنَّاءُ، وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ، وَالْمُزَعْفَرِ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً) لِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ) أَيْ لِاشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَائِهِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَصِيرُ قَابِضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ غَائِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَهْرِ، وَفِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ) فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصِيرَ بِحَيْثُ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعُودِ إمَّا لِخُرُوجِهَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا) أَيْ الْحَرْبِيَّةُ الْمُهَاجِرَةُ اهـ.

[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعِدَّةِ، وَعَنْ بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهَا، وَمَنْ لَا تَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ إحْدَادًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ حَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ، وَتُحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَأَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ، وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتٍ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ يَعْنِي، وَيَجِبُ بِسَبَبِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ، وَأَصْلُهُ الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبٍ غَيْرَ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَهَلْ يُبَاحُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أَخُوهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ

وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَةِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُحِدَّ عَلَى قُرَابَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ، وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فُرْقَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَيَّبَ أَوْ تَلْبَسَ الْحُلِيَّ أَوْ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِعُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ، وَهُمَا لُغَتَانِ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ، وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>