للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَيُعْتَقُ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) يَعْنِي إنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي أَوْ مَرَضِي إلَخْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ وَيُعْتَقُ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَيْسَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَلَمْ يَمْنَعْ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَإِذَا عَتَقَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ أَعْنِي مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا صَارَتْ مُتَيَقَّنَةً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَخَذَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِزَوَالِ التَّرَدُّدِ وَلَوْ وَقَّتَهُ بِمُدَّةٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ إلَيْهَا بِأَنْ قَالَ إنْ مِتُّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّوْقِيتِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى طُولِ الْمُدَّةِ أَوْ قِصَرِهَا كَمَا فِي التَّوْقِيتِ فِي النِّكَاحِ وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْغَالِبِ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ صَارَ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ وَمِنْ الْمُفِيدِ أَنْ يَقُولَ إذَا مِتُّ وَغُسِّلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَشَيْءٌ آخَرُ بَعْدَهُ وَإِنْ مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُعْتَقَ مَا لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ غُسِّلَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ فَصَارَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ بِخِلَافِ زِيَادَةِ دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ قَبْلَهُ وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُول أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَوْ بِيَوْمٍ وَمَضَى الشَّهْرُ أَوْ الْيَوْمُ فَهُوَ مُقَيَّدٌ حَتَّى يَمْلِكَ بَيْعَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قُلْنَا احْتِمَالُ مَوْتِهِ قَبْلَ الشَّهْرِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْيَمِينِ فَصَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ أَوْ الْيَوْمِ وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرِ هُوَ الَّذِي يُعْتَقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ وَهَذَا يُعْتَقُ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا

وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَعِنْدَ زُفَرَ يَكُونُ مُدَبَّرًا لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ حَتَّى يُعْتَقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لِأَنَّ عِتْقَهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

بَابُ الِاسْتِيلَادِ وَهُوَ طَلَبُ الْوَلَدِ لُغَةً وَفِي الشَّرْعِ طَلَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِلْأَمَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خُرِجَ بِهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ نَحْوُ أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الصِّفَةَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ إنْ مِتّ مِنْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِي أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَخَذَهُ مِنْ الِاخْتِيَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْغَالِبِ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ صَارَ كَالْكَائِنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ مُدَبَّرٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ الْفَقِيهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي قَالُوا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ

قَالَ الْحَسَنُ جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَى هُنَا لَفْظُ النَّوَازِلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ رِوَايَةَ الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قُبَيْلَ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ قَالَ إذَا ذَكَرَا مُدَّةً لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْمُدَّةِ وَاخْتَارَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ لِأَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَمُوتَ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعِيشَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ اهـ

وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ قَاضِي خَانْ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّعْيِينِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ ذِكْرُ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ غَالِبًا تَأْبِيدٌ مَعْنًى وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ إذَا سَمَّيَا مُدَّةً لَا يَعِيشَانِ إلَيْهَا غَالِبًا صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ تَأْبِيدٌ مَعْنًى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَوْقِيتٌ فَلَا يَصِحُّ وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ تَعْتِقُهُ الْوَرَثَةُ اهـ

(قَوْلُهُ قُلْنَا) أَيْ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ تَعْلِيقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ شَهْرٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فَيَعْتِقُ مَنْ وَكَّلَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ. اهـ. فَتْحٌ

[بَابُ الِاسْتِيلَادِ]

(اعْلَمْ) أَنَّ مُنَاسَبَةَ بَابِ الِاسْتِيلَادِ بِبَابِ التَّدْبِيرِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>