للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَعِيفٌ مِمَّا نَحْسَبُ وَلَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةً قَتَلْنَاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذُوا عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ اضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً قَالَ فَفَعَلُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَوْ حَمَلْنَاهُ إلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ وَمَا هُوَ إلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ»

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ وَتَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ حَامِلًا لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْهَلَاكُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ الزِّنَا لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ غَامِدٍ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَك ارْجِعِي وَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ تَعَالَى وَتُوبِي إلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاك تُرِيدُ أَنْ تَرْدُدَنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَتْ إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا قَالَ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إذًا لَا تَرْجُمْهَا وَتَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مِنْ يَرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إلَيَّ رَضَاعُهُ قَالَ فَرَجَمَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَتُحْبَسُ حَتَّى تَلِدَ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالشَّهَادَةِ

وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لَا تُحْبَسُ وَلَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَأَتَيْتُهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ أَنْ أَجْلِدَهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحْسَنْت اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّجْمَ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ «جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي وَأَنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرْدُدُنِي لَعَلَّك تَرْدُدُنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى قَالَ: إمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْته قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحَفَرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَتَنَفَّلَ خَالِدٌ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد

وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَانِ مِنْ غَامِدٍ فَأَخَّرَ رَجْمَ إحْدَاهُمَا إلَى أَنْ يُفْطَمَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مِنْ غَامِدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَغَلِطَ الرَّاوِي فِي الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمُكَلَّفِ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلُ حَرَامٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَثْبُتُ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا وَأَنَّ الْوَقْفَ أَصَحُّ وَعِنْدَنَا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ إذَا صَحَّ الرَّفْعُ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَهُ تَارَةً وَيُفْتُونَ بِهِ أُخْرَى وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا» ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى شُبْهَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ عُثْكَالًا) الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالشِّمْرَاخُ شُعْبَةٌ مِنْهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى أَرَاهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى حَبَسَهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجُمُهَا وَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ فَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَقُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ دُرِئَ عَنْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَيُقْبَلُ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْعَذْرَاءِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْفَتْوَى الْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُثْنَى أَحْوَطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَقَالَ) لَفْظُ فَقَالَ مَشْطُوبٌ عَلَيْهِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ يُرَاجَعُ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ تَمَاثَلَ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

[بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]

(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) (قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشُّبْهَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي شُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ نَاشِئَةً فِي الْمَحِلِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَحِلِّ شُبْهَةُ الْمِلْكِ أَعْنِي شُبْهَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ مِلْكِ الْبِضْعِ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَحِلَّ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا حَقِيقَةً ثُمَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِارْتِفَاعِ الِاشْتِبَاهِ وَفِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِقِيَامِ الْمَحِلِّ اهـ

وَقَالَ الْكَمَالُ وَأَصْحَابُنَا قَسَّمُوا الشُّبْهَةَ قِسْمَيْنِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ وَشُبْهَةَ مُشَابَهَةٍ أَيْ شُبْهَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>