للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ بِتَكْمِيلِ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِلْعُقُوبَةِ

وَالْمُكَمِّلُ كَالْمُوجِبِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وُجُودًا عِنْدَهُ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ وُجُوبًا وَضَرَرُ الْعُقُوبَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْوُجُودِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ بِعِلَّةِ عُقُوبَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلَا شَرْطٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا يَكُونُ مُوجِبًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا الزِّنَا وَالسَّبَبُ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْضٍ بَلْ هُوَ مَانِعٌ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ كُلِّهَا تَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَالشَّرْطُ مَا يُوجِدُ الْعِلَّةَ بِصُورَتِهَا وَيَتَوَقَّفُ انْعِقَادُهُ عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ الْوُجُوبِ كَدُخُولِ الدَّارِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا الزِّنَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ لَمْ يُوجَدْ بِصُورَتِهِ حَتَّى يَنْعَقِدَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى وُجُودِ الْإِحْصَانِ وَلَا يُضَافُ وُجُودُ الرَّجْمِ إلَيْهِ فَكَانَ عَلَامَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الرَّجْمُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ الزِّنَا وَالْحُكْمُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَلَامَةِ لَا وُجُوبًا وَلَا وُجُودًا وَلَا إفْضَاءً فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَمِّلٍ لِلْعُقُوبَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْإِحْصَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الذُّكُورَةُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِيمَا يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَالْإِحْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ عُقُوبَةً أَوْ ضَرَرًا

وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي شَيْءٍ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْصَانُ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ بَلْ هُوَ أَوْصَافٌ حَمِيدَةٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْإِسْلَامِ كُلُّهَا تُنَافِي الْعُقُوبَةَ بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ فَإِنَّهَا مُكَمِّلَةٌ لِلْعِلَّةِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا قَوْلُ النِّسَاءِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ إحْصَانُهُ وَلِأَنَّ لَفْظَةَ الدُّخُولِ مُشْتَرَكٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَطْءِ وَفِي الزِّفَافِ وَفِي الْخَلْوَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَرَبَهَا أَوْ أَتَاهَا وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] الْمُرَادُ الْجِمَاعُ

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» أَيْ جَامَعَهَا وَفِي الْعُرْفِ إذَا قِيلَ فُلَانٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ دُونَ الْخَلْوَةِ وَإِذَا خَلَا بِهَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهُوَ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئْتُهَا وَأَنْكَرَتْ صَارَ مُحْصَنًا دُونَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْتُ نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ مُكَمِّلٌ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ أَوْ كَانَ سَكْرَانًا وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَكُلِّهَا) الْوَاوُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الزِّنَا اهـ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ قَبْلَ ظُهُورِ الزِّنَا اهـ.

[بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ]

(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) قُدِّمَ حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي الزِّنَا أَشَدُّ وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الزِّنَا مِائَةً أَوْ رَجْمًا فِي الْحُرِّ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَمَانُونَ فِي الْحُرِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعُونَ كَمَا فِي الْعَبْدِ يُحَقِّقُهُ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك» قَالَ وَأَنْزَلَ تَصْدِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] الْآيَةَ وَأُخِّرَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ حَدِّ الشُّرْبِ لِتَيَقُّنِ الْجَرِيمَةِ فِي الشَّارِبِ دُونَ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَدَقَ فِي الْقَذْفِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ زَانِيًا وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ أَخَفَّ الْجَمِيعِ وَتَأْخِيرُ حَدِّ السَّرِقَةِ لِمَا أَنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَالْمَالُ تَبَعٌ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَأُخِّرَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ وَلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْعَقْلِ آكَدُ مِنْ صِيَانَةِ الْمَالِ بَقِيَ أَنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَالَ دُونَ الْعِرْضِ فَإِنَّهُ جُعِلَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ عَنْ كُلِّ مَا تَكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ أَيْ إلَى الْحَاكِمِ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ وَهُوَ غَيْرُ سَكْرَانٍ مِنْهَا وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ يُحَدُّ إذَا كَانَ سَكْرَانًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ سَكْرَانًا أَيْ جَاءُوا بِهِ إلَيْهِ سَكْرَانًا مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ النَّبِيذِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَيْ بِالشُّرْبِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْرِ مِنْهَا وَفِي الثَّانِي وَهُوَ السُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَالشَّهَادَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِالشُّرْبِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الرِّيحَ قَائِمٌ حَالَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِهِ وَبِالشُّرْبِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرَ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيُسْتَنْكَهُ وَيُخْبِرَهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ وَأَمَّا إذَا جَاءُوا بِهِ مِنْ بَعِيدٍ فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَخَذُوهُ فِي حَالِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ خُصُوصًا بَعْدَ مَا حَمَلْنَا كَوْنَهُ سَكْرَانًا مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَإِنَّ رِيحَ الْخَمْرِ لَا تُوجَدُ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ فَالْمُرَادُ فِي الثَّانِي أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ وُجُودِ رَائِحَةِ ذَلِكَ الْمُسْكِرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَمْرِ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ اهـ (قَوْلُهُ وَشَهِدَ رَجُلَانِ) وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>