للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَغْلُظُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذْ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا هَلَكَ كَانَ خَطَأً مِنْ الْإِمَامِ وَضَمَانُ خَطَئِهِ فِيمَا يُقِيمُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْلَافُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَرَمْيِ الْغَرَضِ وَنَحْوِهِ وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ وَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ أَمَاتَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ إلَى آخِرِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عِنْدَ التَّلَفِ وَإِنْ ضَرَبَهَا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ

وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَعَدَّا مِثْلَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَا لِجَوَازِ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتُعَزَّرُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ وَلَدَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ مُبَاحًا وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا لَا يَجِبُ هُنَاكَ الضَّمَانُ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ قَدْ وَجَبَ فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِمَوْتِهَا كَانَ فِيهِ إيجَابُ ضَمَانَيْنِ بِمُقَابَلَةِ مَضْمُونٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَ يَرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا عَزَّرُوهُ مِائَةٌ فَإِذَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَحَصَلَ الْقَتْلُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَبِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ التَّعْزِيرُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَشُرِعَ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّكْفِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(كِتَابُ السَّرِقَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِلْكَ رَجُلٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَرِقَةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً لِجَمَاعَةٍ قُطِعَ بِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذَهَا جُمْلَةً وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِاحْتِمَالِ أَنَّ شُهُودَهُ غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ أَبَوْا عَنْ الشَّهَادَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ) أَيْ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ) سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا إلَخْ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ إحْدَاهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجُ يُرِيدُهَا وَالثَّانِي عَلَى تَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَالثَّالِثُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَعَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَالرَّابِعُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ مَعْصِيَةٌ اهـ وَتَنَبَّهْ لِقَوْلِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ الْغَزْلِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا تَرْكُ الزِّينَةِ إذَا أَرَادَ الزِّينَةَ وَالثَّانِيَةُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَا أَرَادَ الْجِمَاعَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَالثَّالِثَةُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعَةُ الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ

قَالَ السُّرُوجِيُّ وَلَا يُجْبِرُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنَائِسِ اهـ.

[كِتَابُ السَّرِقَةِ]

(كِتَابُ السَّرِقَةِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ النُّفُوسِ كُلًّا وَجُزْءًا وَاتِّصَالًا بِهَا شَرَعَ، فِي بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَأَخَّرَهَا لِكَوْنِ النَّفْسِ أَصْلًا وَالْمَالِ تَابِعًا وَذَلِكَ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لِلزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِضَيَاعِ نَفْسِ الْوَلَدِ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ النَّفْسِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ فِيهِ صِيَانَةُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْأَجْزَاءِ فِي النَّفْسِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالنَّفْسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ قَالَ تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خِفْيَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَيْدُ الْخِفْيَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النَّهْبِ وَالْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ اهـ

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً) أَيْ حَتَّى لَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةَ أَوْ سَتُّوقَةَ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ كَنُقْصَانِ الْقَدْرِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ لِأَنَّ بِالرَّوَاجِ صَارَتْ كَالْجِيَادِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَجَوْدَتُهَا شَرْطٌ وَيُخَالِفُهُ فِي الزُّيُوفِ الرَّائِجَةُ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>