للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّبَبُ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَا أَثَرَ لِلتَّنْفِيلِ فِي إتْمَامِ الْقَهْرِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي إفَادَةِ التَّخْصِيصِ وَقَطْعِ الشَّرِكَةِ فَأَمَّا السَّبَبُ لِلْمِلْكِ بَعْدَ التَّنْفِيلِ فَهُوَ الَّذِي كَانَ سَبَبًا قَبْلَهُ فَأَشْبَهَ الْمُتَلَصِّصَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْعَقْدُ وَالْقَبْضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سَبْي التَّرْكُ الرُّومَ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْمُبَاحِ سَبَبُ الْمِلْكِ وَقَدْ تَحَقَّقَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَافِرٍ اسْتَوْلَى عَلَى كَافِرٍ آخَرَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ بِهَذَا السَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الدُّنْيَا لَهُمْ وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالَهُمْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ الَّذِي سَبَوْهُ مِنْ الرُّومِ أَوْ أَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكُوهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ الْتَحَقُوا بِسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ فَكَمَا تُمْلَكُ عَلَيْهِمْ سَائِرُ أَمْوَالِهِمْ نَمْلِكُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَالَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُونَهَا لِأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ مَحْظُورٌ حِينَ أَخَذُوا وَحِينَ أَحْرَزُوا بِدَارِهِمْ لِوُرُودِهِ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ.

وَالْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا وَالْمَحْظُورُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ نِعْمَةٌ وَالنِّعْمَةُ لَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ فَصَارَ كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا وَلَا يُقَالُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ كَالزِّنَا وَالرِّبَا فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ وَلَنَا أَنَّ الْحُرُمَاتِ فِي الْأَمْوَالِ تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَلَا يَكُونُ مَعْصُومًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ فِيهِ لِمَنْ اخْتَصَّ بِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ ضَرُورَةً تُمَكِّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ فَإِذَا زَالَ تَمَكُّنُهُ بِسَبَبِ إحْرَازِهِمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ]

ِ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِيلَاءَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِ الْكُفَّارِ ذَكَرَ هُنَا حَالَ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَالِ كُفَّارٍ أُخَرَ فِي دَارِ حَرْبٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ اهـ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْكَمَالُ وَتَقَدُّمُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ سَبَى التُّرْكُ الرُّومَ) التَّرْكُ جَمْعُ تُرْكِيٍّ وَالرُّومُ جَمْعُ رُومِيٍّ وَالْمُرَادُ كُفَّارُ التُّرْكِ وَكُفَّارُ الرُّومِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الرُّومُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمْ مِنْ وَلَدِ الرُّومِ بْنِ عِيصَو يُقَالُ رُومِيٌّ وَرُومٌ مِثْلُ زِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ فَلَيْسَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إلَّا الْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ كَمَا قَالُوا تَمْرَةٌ وَتَمْرٌ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إلَّا الْهَاءُ اهـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالتَّرْكُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَالْجَمْعُ أَتْرَاكٌ الْوَاحِدُ تُرْكِيٌّ مِثْلُ رُومٍ وَرُومِيٍّ اهـ قَوْلُهُ زِنْجِيٌّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالْفَتْحِ لُغَةٌ اهـ مِصْبَاحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مُوَادَعَةٌ لِأَنَّا لَمْ نَغْدِرُهُمْ إنَّمَا أَخَذْنَا مَالًا خَرَجَ عَنْ مَلِكِهِمْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ فَاقْتَتَلُوا فَغَلَبَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنَّ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْمَغْنُومَ مِنْ مَالِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنْ الْغَانِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْحَرْبِ شَرْطٌ أَمَّا بِدَارِهِمْ فَلَا وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ وَاقْتَتَلُوا فِي دَارِنَا لَا نَشْتَرِي مِنْ الْغَانِمِينَ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ شِرَاؤُنَا غَدْرًا بِالْآخَرِينَ فَإِنَّهُ عَلَى مِلْكِهِمْ وَأَمَّا لَوْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمِنِ مِنْ الْغَانِمِينَ نَفْسًا أَوْ مَالًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمَأْخُوذِ وَبَيْنَ الْآخِذِ قَرَابَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْأُمِّيَّةِ أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْآخِذِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ دَانُوا ذَلِكَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ دَانُوا بِأَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ مَلَكَهُ جَازَ الشِّرَاءُ وَإِلَّا لَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى التَّرْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ بِدُونِ الْإِحْرَازِ وَلِأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مَعَ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَعَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُونَهَا) أَيْ وَإِنْ أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ) أَيْ إذْ سَبَبُ عِصْمَتِهِ إسْلَامُ صَاحِبِهِ بِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَهُوَ بَاقٍ فَيَبْقَى الْحَظْرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمُلْكِ) أَرَادَ بِهِ الْمَحْظُورَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا الْمَحْظُورُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالِاتِّفَاقِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْخَمْرِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصْلُحُ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «كَانَتْ الْعَضْبَاءُ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ الْعَضْبَاءُ وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إذَا نَزَلُوا يُرِيحُونَ إبِلَهُمْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ فَلِمَا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَتْ الْمَرْأَةُ وَقَدْ نَوَّمُوا فَجَعَلَتْ لَا تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ فَرَكِبَتْهَا ثُمَّ وَجَّهَتْ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَتْ لَئِنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَجَّاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتْ عَرَفَتْ النَّاقَةَ فَأَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بِنَذْرِهَا فَقَالَ تَبَسُّمًا جُزِيتهَا أَوْ وَفَّيْتهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَفِي لَفْظٍ فَأَخَذَ نَاقَتَهُ» وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ يَمْلِكُونَ بِالْإِحْرَازِ لَمَلَكَتْهَا الْمَرْأَةُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>