للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اعْتَرَاهُ شُبْهَةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ لِتُزَاحَ وَيَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِمْهَالُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ لَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فِيهَا فَقَدَّرْنَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] مُطْلَقًا وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُقْبَلُ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ قَتَلَ شَخْصًا بَعْدَمَا أَسْلَمَ هَلَّا شَقَقْت قَلْبَهُ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الِارْتِدَادُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِالدِّينِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) أَيْ كَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأُ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا دِينَ لَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ كُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ تَفْوِيتَ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَبِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُهُ) لِأَنَّ الْكُفْرَ بِوَصْفِ الْحِرَابِ مُبِيحٌ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَمْ يَضْمَنْ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الْمُرْتَدِّينَ]

بَابُ الْمُرْتَدِّ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ مِنْ الْأَصْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ الْأَصْلِيِّ فِي الْوُجُودِ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَضْعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ) أَيْ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْكَافِي يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتُزَاحَ) أَيْ تُزَالَ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) أَيْ مَكَانَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ إنْظَارَهُ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِمِّيٍّ وَلَا مُسْتَأْمَنٍ إذْ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْهُ وَمَا طَلَبَ الْأَمَانَ فَكَانَ حَرْبِيًّا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: ١٣٧]. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ قُلْنَا رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْلِهِ {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: ٩٠]. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ إنَّ الْآيَةَ فِي حَقِّ مَنْ ازْدَادَ كُفْرًا لَا فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: ٩٤] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ». اهـ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ مُسْتَهْزِئٌ وَلَيْسَ بِثَائِبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ إلَخْ) وَلَكِنْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُنْيَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ تُبْت وَرَجَعْت إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ. اهـ. دِرَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالْيَهُودِيُّ كَذَلِكَ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَكَذَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ خُصُوصَ الرِّسَالَةِ إلَى الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِ هَذَا فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ قَالَ الْكَمَالُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاطِعِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أُدِّبَ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ وَرِدَّةُ الرَّجُلِ تُبْطِلُ عِصْمَةَ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوَأَتْلَفَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ) أَيْ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْفَرْضِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ) أَيْ بَلْ تُحْبَسُ أَبَدًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>