للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَغَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ»؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأُولَى تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْبَاقِي بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا خِلَافَ فِيهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ وَقْتٍ وَيُعَادُ فِيهِ) أَيْ يُعَادُ فِي الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبُوا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْإِمَامِ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ قَالَ اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانُ فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُنَادِيَ إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» وَلَيْسَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَاهُ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفِعْلِ بِلَالٍ وَنَهَاهُ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ وَفِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وَالثَّانِي - أَنَّ أَذَانَهُ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ وَلِهَذَا عَتَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَكَى وَقَالَ لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَصْعَدُ هَذَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ.

وَالثَّالِثُ - قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ «بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْعَامِّ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ قُلْنَا هَذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانًا وَإِنَّمَا كَانَ تَذْكِيرًا وَتَسْحِيرًا كَالْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي رَمَضَانَ وَإِنْكَارُ السَّلَفِ عَلَى مَنْ أَذَّنَ بِلَيْلٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك وَسَمِعَ عَلْقَمَةُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ نَائِمًا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَأَمْثَالُهُ كَثِيرَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَهُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ يُؤَدِّي إلَى الْتِبَاسِ أَذَانِ الْفَجْرِ بِأَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِلَى وُقُوعِ أَذَانِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَهَذَا مُحَالٌ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَسَادُهُ وَهَذِهِ التَّوْقِيتَاتُ الَّتِي وَقَّتُوهَا مِنْ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَجَمِيعِ اللَّيْلِ مُخْتَرَعَةٌ لَمْ تُرْوَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ الْمُحْدِثِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ) أَمَّا أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ»؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ فَيُكْرَهَانِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَيُعَادَانِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعَادَانِ فِي أُخْرَى وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْمُحْدِثِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ إقَامَتُهُ وَفِي كَرَاهِيَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ رِوَايَتَانِ كَإِقَامَتِهِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَابَةِ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ) أَيْ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى إيقَاعِ الْقَضَاءِ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ فَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى كَوْنِ الْأَذَانِ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَيَكْتَفِي بِالْإِقَامَةِ قِيلَ إذَا كَانَ الرِّفْقُ مُتَعَيِّنًا فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا كَقَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ وَالرِّفْقُ هُنَا مُتَعَيَّنٌ فِي مُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَتَخَيَّرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْفَرَائِضِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ) أَيْ مِنْ التَّخْيِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ فِيهَا) أَيْ فِي أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ بِلَا تَخْيِيرٍ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا حَجَّ مَعَ الرَّشِيدِ رَأَى وُقُوفَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا رَجَعَ فَأَفْتَى بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَرَجَعَ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إحْدَاهُمَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ تَقْدِيرُهُ الصَّاعَ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَالثَّالِثَةُ أَذَانُ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي رَوَّادٍ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ ابْنُ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ) أَيْ قَدْ أَذَّنَ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ. اهـ. رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ شَيْئًا». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَا يَنْزِلُ هَذَا) أَيْ بِلَالٌ (قَوْلُهُ: وَيَصْعَدُ هَذَا) أَيْ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ (قَوْلُهُ: فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ) وَهُوَ بِلَالٌ لِمَا لَمْ يُبْصِرْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْكَارِ السَّلَفِ. اهـ. .

[أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران]

(قَوْلُهُ: إلَّا مُتَوَضِّئٌ) فَالْإِقَامَةُ أَوْلَى لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعِدْ) أَيْ الْأَذَانَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>