للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فقه النوازل]

ذكرنا سابقاً أن النازلة إما أن يقصد بها النازلة الكلية، وإما أن يقصد بها على اصطلاح البعض الجديد أو المستجد من المسائل، والمقصود هنا: النازلة الكلية، والفتوى فيها من خاصية المجتهد، وإذا قلنا: إن ذلك من خاصية المجتهد، فمعنى هذا أنه ينبغي ويؤكد على طالب العلم أن لا يتكلم في النوازل الكلية وهو ليس من أهل الاجتهاد، هذه جهة في نفسه وربما أن الجهة المتعلقة بالنفس يستطيعها الإنسان بشكل سريع إن صح التعبير.

وأيضاً ينبغي أن لا يقبل القول في النوازل الكلية ممن هو ليس من أهل الاجتهاد، وينبغي أن يفقه العوام من المسلمين أن النوازل الكلية لا يصدر فيها إلا عن أهل الاجتهاد، بخلاف الفتوى في المسائل العادية، فهذه لا يقال فيها: لا يفتي الناس إلا مجتهد؛ لأن كثيراً من المسائل المنضبطة المحفوظة بينة، وهذا تضييق على المسلمين وعلى فتواهم وعلى إجابة أسئلتهم، ولا شك أن كثيراً من طلاب العلم والناظرين والباحثين والمتفقهين على المذاهب يجيبون الناس عن أكثر أسئلتهم التي قد تعرض لهم في عباداتهم ومعاملاتهم، فهذه المسائل لابد أن يوسع فيمن يجيب فيها، ولا يقال: لا يجيب فيها إلا الأئمة الكبار أهل التحقيق والاجتهاد؛ لأنها مسائل بينة ومحددة وواضحة، ولو أفتي الناس فيها بقول مذهب فإن هذا فيه سعة في الجملة، وإن كان ليس هو الفاضل على الاطراد.

لكن في النوازل ينبغي على طالب العلم أن لا يتخوض فيها، حتى ولو كان من أهل النظر والفقه في كثير من المسائل، وينبغي أن يربى العامة على أن المسائل منها ما هو من الفروع المقولة سابقاً، فهذه يأخذونها عن آحاد الشيوخ أو طلاب العلم، وأما النوازل فيعرف العوام أن النوازل لا يقبل فيها إلا قول أئمة الاجتهاد.

والنازلة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: النازلة الكلية في قدرها - أي: غير الجزئية - ولكنها من حيث التعلق بالمكلفين خاصة ببعض المكلفين، فهذه يوسع فيها بقبول اجتهاد الواحد من المجتهدين.

القسم الثاني: النازلة الكلية في قدرها من الشريعة، من حيث التعلق بالمكلفين، أو بعامة المسلمين، أو بأهل الأمصار، فهذه لا ينبغي أن يصدر فيها عن اجتهاد واحد، حتى لو كان مجتهداً، وأقول: لا ينبغي، وإلا فالعزم هنا يحتاج إلى تأمل، فلا ينبغي أن يصدر فيها عن اجتهاد واحد؛ بل لا بد أن يجتمع جملة من مجتهدي الأمة، بحسب الطاقات والإمكانيات المتاحة في الأمة في عصرها، فينظرون في تلك المسألة، أما أن يصدر فيها عن قول مجتهد واحد وهي كلية التعلق، فهذا لا ينبغي، ومن باب أولى أنه لا يجوز أن يصدر فيها عن قول واحد ليس من أهل الاجتهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>