للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الأول: جواز الجعالة وصحتها، وهو مذهب المالكية (١) والشافعية (٢) والحنابلة (٣) وابن حزم (٤).

القول الثاني: عدم جواز الجعالة وعدم صحتها، وهو مذهب الحنفية (٥).

الأدلة

ورد في محل الوفاق أدلة خاصة؛ لكنها لا تخلو من مقال، ويدل له أدلة القول الأول الآتية، أما أدلة محل الخلاف فهي:

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} يوسف: (٧٢). وجه الدلالة: أنه التزم بجعلٍ لمن يقوم بهذا العمل ولم يذكر المدة ولا صفة العمل، قال ابن كثير: ({وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} وهذا من باب الجعالة {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} وهذا من باب الضمان والكفالة) (٦).

المناقشة:

١. أن هذا من شرع مَن قبلنا، وقد قال- سبحانه وتعالى -: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة:٤٨ (٧).

الجواب: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، كما هو مقرر في علم الأصول (٨).

٢. أن حمل البعير مجهول ونوع البعير أيضًا مجهول، فمن الإبل ما يحمل الحمل العظيم ومنها


(١) المدونة ٢/ ٢٧٤، ٥/ ٣٣٤، الفواكه الدواني ٢/ ١٧١.
(٢) نهاية المطلب ٨/ ٤٩٥، كفاية الأخيار ص ٣٥٧.
(٣) المغني ٨/ ٣٢٣، فتح الملك العزيز ٤/ ٣٠٩.
(٤) المحلى ٨/ ٢٠٤ - ٢٠٥، ويلاحظ أن مناقشة ابن حزم لجمهور الفقهاء وإجابته عن الأدلة المذكورة إنما هو في مسألة الحكم والقضاء على الجاعل بدفع الجعل عند تمام العمل، ويرى أنه يستحب له ذلك ولا يلزمه، كما نص على إباحة أخذ ما أعطى الجاعل على الرقية فقط، وسأشير لبعض اعتراضاته؛ لاتفاق الأدلة في المسألتين.
(٥) بدائع الصنائع ٦/ ٣٢٠ - ٣٢١، الاختيار ٣/ ٣٥ - ٣٦.
(٦) تفسير القرآن العظيم ٤/ ٤٠١.
(٧) المحلى ٨/ ٢٠٥.
(٨) التحبير ٨/ ٣٧٧٧، مجموع الفتاوى ١/ ٢٥٨، زاد المعاد ٣/ ١٣٥، وقد تكرر الاستدلال به في البحث، وتحرير محل النزاع فيه: أن شرع من قبلنا المأخوذ عن طريقهم ليس دليلاً بالإجماع -ولكن يجوز التحدث به إن كان لا يخالف شرعنا-، وما ورد في شرعنا أنه شرع من قبلنا فإن ورد في شرعنا ما يخالفه أو يوافقه فالعبرة بشرعنا، وإلم يرد فهذا لا مثال له في الحقيقة ولكن يجوز الاستدلال به بالإضافة للأدلة الواردة في شرعنا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري)) رواه البخاري (ح ٥٩٧) ومسلم (ح ١٥٦٩) واللفظ له، وهذه الآية إنما خوطب بها موسى - عليه السلام -.

<<  <   >  >>