للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرفية تقتضي أن تكون الجعالة للمعيَّن إذا باشر العمل بنفسه، فإن قامت قرينة أخرى على عدم قصد التعيين فصحيح.

دليل الاحتمال الثاني: أما عدم صحتها إذا كانت الجعالة الأصلية لمعين فلأن رب المال لم يجاعل العامل على ردها إنما جاعل معينًا ولم يعمل، وأما عدم صحتها إذا كانت الجعالة الأصلية لغير معيَّن فلأن الجاعل الثاني لا مشقة عليه لعدم مباشرته العمل فلا يستحق الجعالة الأصلية، وإنما يستحقها العامل على أحد الاحتمالين المتقدمين.

المناقشة: إذا كان مقصود الجاعل الأصلي تحصيل العمل، فلا فرق عنده فيمن يباشره، واستحقاق الجاعل الثاني بناءً على تسبُّبه في حصول العمل، واشتراط المشقة غير مسلَّم؛ لعدم الدليل عليه.

دليل الاحتمال الثالث: القياس على توكيل الوكيل، فإنه يجوز في ما يعجز عنه الوكيل أو ما لا يليق بمثله مباشرتُه، واشتراط علم الجاعل؛ لأنه الملتزم بدفع الجعل.

دليل الاحتمال الرابع: الجمع بين أدلة القولين الأولين، فما دل على عدم صحة الجعالة على الجعالة فمحله إذا كان المخاطب بالجعالة الأصلية معينًا تعيينًا مقصودًا، بحيث يختلف العمل المطلوب إحداثه من عاملٍ لآخر، وهذا كما تقدم في استصناع الصانع ومقاولة المقاول، وما دل على صحة الجعالة على الجعالة -وهي أدلة القول الأول- فمحمولٌ على سائر الحالات الأخرى، وإذا كان المقصود العمل دون العامل فالعبرة بالمقاصد ولو كان في اللفظ تعيين.

الترجيح

الراجح الاحتمال الرابع فإن كان العمل المتعاقد عليه يراد به استحداث نتيجة جديدة، كتعليم علم وبناء حائط وخياطة مخيط فإن كان لمعيَّن تعيينًا مقصودًا فلا تصح جعالة الجاعل على هذا العمل، وإن كان لغير معين أو كان التعيين غير مقصود فتصح، وإن كان العمل المتعاقد عليه مما يراد إيجاده من غير تعيين فاعل، كرد ضائع من مال أو مركوب أو غيره، فتصح الجعالة على الجعالة فيه.

سبب الترجيح: أن فيه جمعًا بين الأدلة المذكورة.

تنبيه:

إذا حَلَّ مكان الجاعل الأصلي جاعل آخر فهذه ليست جعالة جديدة، إنما هو توكيل واستنابة في دفع الجعل، وقد يكون توكيلا مطلقًا أو بعوض.

<<  <   >  >>