للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: أن الوكالة اقتضت جواز التوكيل؛ لكونها في ما يعجز عنه، فجاز التوكيل في فعل جميعه، قياسًا على الإذن اللفظي (١).

المناقشة:

١. أن مبنى الوكالة على الخصوص؛ لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قبل الموكِّل، فيملك قدر ما أفاده، ولا يثبت العموم إلا بلفظ يدل عليه (٢).

٢. أن الأصل في الوكيل عدم التوكيل والقيام بالمطلوب بنفسه، وما خالف الأصل للحاجة يتقدر بقدرها، ويبقى ما عدا ذلك القدر على الأصل فلا يصح قياسه على الإذن اللفظي؛ لوضوح الفارق بينهما.

الترجيح

الراجح جواز توكيل الوكيل، في ما يقوم به مثله ولكنه يعجز عنه، في القدر المعجوز عنه خاصةً.

سبب الترجيح: ما ذكر من أدلة ومن مناقشة أدلة القول الآخر.

المسألة الثالثة: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولا يعجز عنه بنفسه.

صورة المسألة: إذا وكل موكل وكيلًا أن يرهن سيارته لزيد، والوكيل قادرٌ على ذلك ولا يأنف مثله عن فعل ذلك، فهل له أن يوكل غيره للقيام بذلك العمل؟

الحكم:

اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يجوز له أن يوكل غيره، وهو مذهب الحنفية (٣)، وقول مالك وأصحابه (٤)، وقول الشافعي وأصحابه (٥)، وهو المذهب عند الحنابلة (٦)، واختاره ابن المنذر (٧).


(١) شرح منتهى الإرادات ٣/ ٥١٠ - ٥١١.
(٢) بدائع الصنائع ٦/ ٤٦.
(٣) بدائع الصنائع ٦/ ٤٦، الاختيار ٢/ ١٦٣، مجمع الأنهر ٢/ ٢٤٠، واستثنى بعضهم ثلاث مسائل:
إذا وكل شخصًا في دفع زكاته فللوكيل أن يوكل.
إذا وكل شخصًا في قبض دينه فللوكيل أن يوكل أحد عياله.
إذا وكل من يبيع له سلعةً فوكل الوكيل من يذهب إلى الموكل ليعلم تقدير الثمن.
در المنتقى في شرح الملتقى مع مجمع الأنهر ٢/ ٢٤٠، حاشية ابن عابدين ٨/ ٣٠٢ - ٣٠٣.
(٤) المدونة ٤/ ٣٨٢، الذخيرة ٨/ ١٢، مواهب الجليل ٧/ ١٩١. واستثنوا الوكيل المفوَّض. حاشية الدسوقي ٣/ ٣٨٨.
(٥) الأم ٣/ ٢٣٢، المهذب ١٥/ ٢٦٦، نهاية المطلب ٧/ ٣٨، وقال: (إذا وكل إنسانًا بتصرفات أو خصومة فإن تيسر عليه تعاطي ذلك لم يملك التوكيل فيه اتفاقًا) الاتفاق داخل المذهب.
(٦) الشرح الكبير ١٣/ ٤٥٥ - ٤٥٨، كشاف القناع ٨/ ٤٢١، هداية الراغب ٣/ ٢٥.
(٧) الإشراف ٨/ ٢٨٦.

<<  <   >  >>