للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الخامس: أن الموكِّل فوض إلى الوكيل التصرف دون التوكيل به؛ لأنه إنما رضي برأيه، والناس متفاوتون في الآراء.

المناقشة: التسليم بأن الناس متفاوتون في الآراء، ولكن قد يكون الوكيل الثاني أقوى رأيًا من الأول أو مثله، وإلا لما وكله، ثم إن رَدّ الموكِّل توكيلَ الوكيل مع الرضا برأيه تناقض.

الجواب:

١. العبرة في معرفة قوة الرأي بظن الموكل؛ لأنه المتصرف الأصيل، والمالك لحق التصرف أو للعين.

٢. أن الموكل رضي برأي الوكيل في تصرف خاص كالبيع أو الشراء أو الهبة مما وُكل به، وليس التوكيل داخلًا في هذا التصرف، فلا تناقض، وإنما يقع التناقض لو كان رضا الموكل برأي الوكيل في التوكيل أو برأيه مطلقًا (١).

أدلة القولين الثاني والثالث:

الدليل الأول: يمكن أن يستدل لهم بما جاء عن حُضَين بن المنذر أبي ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا علي قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: وَلِّ حارَّها مَن تولى قارَّها. فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبدالله بن جعفر قم فاجلده. فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة وهذا أحب إلي (٢).

وجه الدلالة: أن عثمان وكل عليًا - رضي الله عنهما - وكالةً مطلقةً عن الإذن أو النهي في التوكيل، فوكَّل علي الحسن - رضي الله عنهما - ثم وكل عبدَ الله بن جعفر - رضي الله عنهما -، ويحتمل أن يكون علي وكل الحسن ثم وكل الحسنُ عبدَالله بن جعفر - رضي الله عنهم - (٣) وكيف ما كان تم الاستدلال.

المناقشة: أن هذا التوكيل من الوكيل قد حصل فيه إذن عرفي، فقد وكل علي - رضي الله عنه - وكيله


(١) نتائج الأفكار مع العناية ٦/ ٨٩ - ٩٠.
(٢) رواه مسلم، كتاب الحدود (٥/ ١٢٦) (ح ٤٤٥٧)، ومعنى (ول حارها من تولى قارها): الحار: الشديد المكروه، والقار: البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب، قال الأصمعي وغيره: معناه ولّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة، أي: ليتول هذا الجلد عثمان - رضي الله عنه - بنفسه أو بعض أقاربه. المنهاج للنووي ٦/ ٢٧٥، فائدة: في ألفية السيوطي (بيت ٨٤٥ ص ٣٥٢): وليس في الرواة من حُضينِ ... إلا أبو ساسان عن يقينِ.
(٣) المفهم ٥/ ١٣٥.

<<  <   >  >>