للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الأصل في العقود.]

قواعد الأصل في العقود كثيرة، فالأصل فيها اللزوم، والأصل فيها الفورية والتنجيز أو المناجزة، والأصل فيها السلامة، والأصل فيها تنزيلها على المتيقن أو الظاهر القريب، ولكن المقصود هنا الأصل في العقود من حيث حكمُها، والأصل فيها بهذا الاعتبار الجواز والصحة، في مذهب جمهور العلماء (١)، بل نصَّ ابن حزم على ما يوافق ذلك فقال: (إن ما سكت عنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح، وليس حرامًا ولا فرضًا) (٢)، لكن العبرة بما صرَّح به، وهو ما عزاه أبو العباس ابن تيمية إلى أهل الظاهر، أنهم لا يصحِّحون عقدًا ولا شرطًا إلا ما ثبت جوازه بنصٍّ أو إجماعٍ (٣).

ودليل الصحة والإباحة قوله جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: (١)، وعدد من الآيات التي فيها حصر المحرمات وتَعدادها (٤) مما يُفهم إباحة ما سواها، من ذلك قوله - عز وجل -: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الأنعام: (١٥١) الآيات، وقوله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الأنعام: (١٤٥) الآيات، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرَّم فحُرِّم من أجل مسألته» (٥).

ويظهر أثر هذا الأصل في البحث من جانبين: أحدهما: أن من وافق قوله الأصل لا يُطالب بالدليل؛ لأن دليله أدلة أصله، فإذا استدلّ فجانبه متقوٍّ بالأصل، والثاني: أنه من المرجحات في محل النزاع.


(١) المبسوط ١٨/ ١٣٤ قال: (وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول الأصل في العقود الشرعية الصحة واللزوم)، الذخيرة ٤/ ٣٩٨، ١٩/ ٣٣٦ - ٣٣٧، الأشباه والنظائر للسبكي ١/ ٢٥٣، الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٦٦، القواعد الكلية (النورانية) ص ٢١٢، ٢٧٣، ٣٩٣، إعلام الموقعين ٣/ ١٠٧، تقرير القواعد لابن رجب ٣/ ١٧٠.
(٢) المحلى ١/ ٦٤.
(٣) القواعد الكلية ص ٣٦٥، المحلى ٨/ ٤١٢، الإحكام لابن حزم ٢/ ٣، ٣٠.
(٤) روى ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين أنهم قالوا: لم يأت من المصادر على تِفعال إلا حرفان: تبيان وتلقاء، فعلى هذا يجب أن تكون المصادر التي جاءت على تفعال كلها مفتوح التاء كالتيسار والتذكار والتكرار والتهذار والتلعاب، وأن يكون ما هو مكسور التاء غير التبيان والتلقاء أسماء، نحو التمساح والتمثال. أدب الكاتب ص ٦٠٤، الغرر على الطرر ١/ ٢٢٤.
(٥) رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (٩/ ٩٥) (ح ٧٢٨٩)، ومسلم، كتاب الفضائل (٧/ ٩٣) (ح ٦١١٦)، قال ابن حجر في الفتح (١٧/ ١٦٠): (وفي الحديث أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك).

<<  <   >  >>