للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المناقشة: إذا لم يودعها حال الخطر فقد فرط في الحفظ؛ لأن العبرة بالمقصود لا بالألفاظ، بل لو نهاه مالكها عن إيداعها -وكان إيداعها متعينًا لحفظها- لوجب عليه أن يودعها، قال في "نهاية المطلب": (وليعلم الناظر أن كل حكم يُتلقى من لفظٍ في تعامل الخلق، وللناس في ذلك القبيل من التعامل عرف فلن يحيط بِسِرِّ ذلك الحكم من لم يحط بمجاري العرف، فإن الألفاظ المطلقة في كل صنف من المعاملة محمولة من أهلها على العرف فيها، فإذًا إذا قال: احفظ الوديعة في هذا البيت، ولا تنقله منه. فالعرف يقتضي حمل هذا القول على تعيين مقدار الإحراز بالبيت المعين، فإن فُرضت ضرورة فهي خارجة عرفًا عن موجَب القول، فإن العاقل لا يحتكم على المستحفِظ المتبرع بما يؤدي إلى إتلاف مِلكه، فهذه التقييدات لا يفهم منها في الإيداع تعريض الوديعة للتلف، وكذلك لو كانت الضرورة في نفس المؤتمن فلا يفهم أرباب العقول من قول المالك التماسَه من المودَع تعريض نفسه للهلاك أو ما في معناه لمكان وديعته ... ولا يتمارى في هذا ذو لب) (١).

دليل القول الخامس: هو الجمع بين دليل القول الثاني والثالث مع إعمال القاعدة الفقهية العامة في اعتبار المصالح وتكميلها وتقديم الأعلى منها عند التزاحم.

الترجيح

الراجح أن المودَع إذا قدر على رد الوديعة لصاحبها أو وكيله المأمون حال العذر فليس له أن يودعها، وإذا لم يقدر يفعل الأصلح من إيداعها للحاكم (القاضي) أو الأجنبي إذا تعين الإيداع لحفظها، ويشترط في المودع الثاني الأمانة (٢).

أسباب الترجيح:

١. ما سبق من أدلة ذلك ومناقشة ما عداها.

٢. أن في ذلك جمعًا بين مصلحة المودِع في حفظ وديعته ومصلحة المودَع في دفع الضرر عنه، والمصلحة العامة باستمرار الإيداع بين الناس وعدم الإحجام عنه خوف العوارض المانعة من الحفظ.


(١) ١١/ ٣٨٨ - ٣٨٩، ينظر: مجموع الفتاوى ٣١/ ١٤٣ - ١٥٩، إعلام الموقعين ٣/ ٢٠٩ - ٢١٠، ٤/ ٣١٦ - ٣١٨، فائدة: إذن كتبت بالتنوين في "نهاية المطلب"، وهو قول نُسب للمازني، وذهب الفراء إلى أنها إن عملت كُتبت بالنون وإلم تعمل كتبت بالتنوين، وقيل عكسه، والأكثرون على أنها بالنون مطلقًا، إلا في القرآن الكريم؛ لأنها حرف عند الجمهور، مثل أن ولن، والتنوين لا يدخل على الحروف، ونونها جزء الكلمة، وللفرق بينها وبين إذا الظرفية. رصف المباني ص ١٥٥، المحكم ١٠/ ٩٩.
(٢) مجمع الضمانات ١/ ٢١٠، درر الحكام ٢/ ٢٧٧، مع ما سبق من المراجع فكلهم يذكرون أن يودع (أمينًا) أو (ثقةً) ونحوهما، والمراد حسب الحال والمستطاع.

<<  <   >  >>