للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجلًا من الأنصار يقال له سليط وكان يذكر من فضله أرضًا، قال: فكان يخرج إلى أرضه تلك، فيقيم بها الأيام، ثم يرجع، فيقال له: لقد نزل من بعدك من القرآن كذا وكذا، وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كذا وكذا، قال: فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن هذه الأرض التي أقطعتنيها قد شغلتني عنك فاقبلها مني، فلا حاجة لي في شيء يشغلني عنك، فقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، فقال الزبير: يا رسول الله، أقطعنيها. قال: فأقطعها إياه) (١) وهو محل الشاهد فإقطاعه - صلى الله عليه وسلم - لأرضٍ سبق أن أقطعها كان بعد استرجاعه، وهذا الاسترجاع بوجه الحق، كما هو ظاهر، وإنما قدمت حديث أسماء - رضي الله عنها -؛ لأنه مسند وحديث ابن سيرين مرسل (٢).

أما إقطاعه للمقطع الثاني بعد الاسترجاع فدليله عموم أدلة الإقطاع، أما إن أقطعه لآخر دون استرجاع فهذا من الظلم والعدوان، وهو مثل الاسترجاع بغير حق (٣).

إذا تقرر ذلك جاز إقطاع المقطع بعد استرجاعه بجملة من الشروط، وهي:

١ - عجز المقطع الأول عن الاستغلال أو عن الإحياء إن كان إقطاع تمليك، وهذا على مذهب الشافعية (٤) والحنابلة (٥)، أما عند المالكية (٦) فإنه يملك الأرض بمجرد الإقطاع وليس بالإحياء، واختاره ابن عابدين من الحنفية (٧).

ودليل الاشتراط حديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطعه العقيق أجمع، فلما كان عمر - رضي الله عنه - قال لبلال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقطعك لتحجره -وفي نسخة: لتحجزه- عن الناس، لم يقطعك إلا لتعمل، فأقطع عمر بن الخطاب للناس العقيق (٨)، وعن عبد الله بن أبي بكر قال: جاء بلال بن الحارث المزني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه أرضًا طويلةً عريضةً، فلما وَلي عمر قال له: يا بلال إنك استقطعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرضًا طويلةً عريضةً قطعها لك، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليمنع شيئًا يُسألُه، وإنك لا تطيق ما في يديك. قال:


(١) الأموال ص ٣١٩ (ح ٦٧٨).
(٢) ولعل مراد مَن تقدم من المالكية أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ولكن متى قام السبب -كما في هذه النصوص- فإنه يكون مثل الاجتهاد المخالف للنصوص أو الإجماع فيسوغ نقضه، وهذا التوجيه على ضوء ما ذُكر من أدلة، وقد قال ابن النحاس: (وكذا يجب أن يُتأول للعلماء، ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لما قالوه وجه). كتاب الناسخ والمنسوخ ص ٢١٦، وإلم يكن ما نحن فيه خطأ عظيما إلا أن الشاهد في التأول.
(٣) ينظر مجموع الفتاوى ٣٠/ ١٢٧، ١٧٠، ١٧٣، ٢٤٧.
(٤) المهذب ١٦/ ٧١٥، مغني المحتاج ٢/ ٤٧٢.
(٥) المغني ٨/ ١٦٣ - ١٦٤، كشاف القناع ٩/ ٤٦٠.
(٦) الشرح الصغير ٢/ ٢٩٥، حاشية الدسوقي ٤/ ٦٨.
(٧) حاشية ابن عابدين ٦/ ٣٠٣.
(٨) رواه أبو عبيد والحاكم والبيهقي، سبق تخريجه ص ٢٣٠.

<<  <   >  >>