للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب: قال القرطبي بعده: (فجوابه أن يقال له: لا نُسلّم أنه باطل حتى تبينه بالدليل وحينئذٍ يدخل في هذا العموم) وقال في آية النساء: (قوله-تعالى-: (بِالْبَاطِلِ) أي بغير حق ... ومِن أَكْلِ المال بالباطل بيعُ العربان، وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهمًا فما فوق، على أنه اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة، وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فهو لك، فهذا لا يصلح ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين؛ لأنه من باب بيع القمار والغرر والمخاطرة وأكل المال بالباطل بغير عوضٍ ولا هبةٍ، وذلك باطلٌ بإجماع) (١) وبغضِّ النظر عن حكم بيع العربون فما أشبه التأمين التجاري بما ذكره القرطبي (٢).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (٣).

وجه الدلالة: قال ابن الأثير: (هو ما كان له ظاهر يغرّ المشتري وباطن مجهول، وقال الأزهري: بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا ثقة، وتدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكُنْهِهَا المتبايعان من كل مجهول) (٤) وهذا ينطبق تمامًا على التأمين التجاري، فكلا طرفي العقد لا يدري عند إنشائه ما سيأخذ ولا ما سيعطي، سواء أكان التأمين على الأشخاص أم على الأشياء أم على المسؤولية (٥).

المناقشة: قال الفاسي: (إنه لا بيع فيها ولا معاوضة، وإنما هو شيء تافه يدفعه الإنسان كتبرع لشركةٍ تضعه في صندوقها الذي هو كصندوق احتياطي ثم تكون ملزمة بالتعويض على الدافع إذا أصابته كارثة مقابل ما أخذته منه، فشبهها بالتبرع أقرب وأقوى من شبهها بالبيع) (٦) فالتأمين ليس عقد معاوضة والغرر فيها يسير، وقال النووي: (قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى


(١) ٥/ ١٤٣ - ١٤٤، وينظرص ١٤٥.
(٢) ينظر في بيع العربون: مصنف ابن أبي شيبة (ح ٢٣٦٥٦ - ٢٣٦٦٤)، سنن أبي داود (ح ٣٥٠٢)، سنن ابن ماجه (ح ٢١٩٢) سنن البيهقي ٥/ ٣٤٣، موسوعة شروح الموطأ ١٦/ ١٢٢، التلخيص الحبير (٤/ ١٧٦٧)، بداية المجتهد ٧/ ٢٩٣، المجموع ١٠/ ٤٩٥ - ٤٩٧، المغني ٦/ ٣٣١، تقرير القواعد ٣/ ٣١٢، مجموع فتاوى ابن باز ١٩/ ٦٢ - ٦٣، بحوث في الاقتصاد الإسلامي للمنيع ص ١٤٥ - ١٦٩.
(٣) رواه مسلم، كتاب البيوع (٥/ ٣) (ح ٣٨٠٨).
(٤) النهاية في غريب الحديث ص ٦٦٦.
(٥) وينظر قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص ٢٦٣ - ٢٦٦، التأمين الإسلامي للقره داغي ص ١٤١ - ١٤٦.
(٦) الفكر السامي ص ٧٧٦، يلاحظ أن التعبير الشائع (كتبرع) (كصندوق) -في هذا الصدد- لحن.

<<  <   >  >>