للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلماء على أن جميع المعاملات على الصحة حتى يقوم دليل على الفساد (١).

المناقشة:

١. إذا سُلّم هذا الاستدلال بهذا الوجه لكان كل أمرٍ حادثٍ مباحًا؛ لافتقاره إلى نص يخصه، ولا نص، لذا كان المنهج المسدد الموفق الذي سار عليه الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة المتبعون إعمال ألفاظ النصوص بلا مغالاة وجمود، وفهم معانيها والسير معها بلا مصادمةٍ لظواهر وصرائح النصوص.

وبالنظر للمعاني الجوهرية والموازنة بين المصالح والمفاسد وتحقيق مقاصد الشريعة واستحضار الواقع في محل النظر نصل إلى نتيجة واضحة، ليس هذا موضع بسطها (٢).

٢. عدم التسليم بأن واحدًا من المتقدمين لم يتطرق لهذه المسألة، بل لو قيل بأن المنع هو مذهب الحنفية والمالكية لما كان بعيدًا، فابن عابدين عمدة في مذهب الحنفية وقد نص على التحريم في مطلبٍ مشهور سبق التنويه به، وجاء في "المدونة" عن أشهب: (ألا ترى أنه لا يصلح أن يقول الرجل للرجل: اضمن لي هذه السلعة إلى أجل ولك كذا. لأنه أعطاه ماله في ما لا يجوز لأحد أن يبتاعه؛ ولأنه غرر وقمار، ولو علم الضامن أن السلعة تموت أو تفوت لم يرض أن يضمنها بضِعف ما أعطاه، ولو علم المضمون له أنها تسلم لم يرض أن يضمِّنها إياه بأقل مما ضمّنه إياها به أضعافًا، بل لم يرض بدرهم واحد، ألا ترى أنها إن سلمتْ أخذ الضامن من مال المضمون مالًا باطلًا بغير شيءٍ أخرجه، وإن عطبتْ غرم له قيمتها في غير مالٍ ملكه) (٣) فإذا كان الحكم المعتمد في مذهبٍ ما يثبت بمجرد التخريج فكيف بالنص على الحقيقة؟ لم يبق إلا التسمية، وذكر اسم العقد لا يؤثر بعد اندراجه في عموم الصورة والحكم.

الدليل الثاني: أن التأمين التجاري فيه مصالح عظيمة، والحاجة إليه شديدة، ومن مصالحه تخفيف أعباء المخاطر بين المستأمنين ومنح الأمان والاطمئنان لهم، وتحقيق الربح للمؤمن وتنمية المشاريع الاقتصادية للدولة.

المناقشة:


(١) الفكر السامي ص ٧٧٧ - ٧٧٨، وينظر في المسألة الأصولية: العدة ٤/ ١٢٤٨، الإحكام لابن حزم ١/ ٥٨، روضة الناظر ١/ ١٣٤، مجموع الفتاوى ٢١/ ٥٣٨ - ٥٣٩، المستدرك على مجموع الفتاوى ٢/ ٧ (من المسوّدة)، شرح الكوكب المنير ١/ ٣٢٢ - ٣٢٨، والراجح أنه لا يوجد زمان يصح وصفه بأنه قبل ورود الشرع.
(٢) ينظر حقيقة شركات التأمين للدكتور سليمان الثنيان، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي للدكتور سامي السويلم ص ٢٥٩ - ٣١٠.
(٣) المدونة ٤/ ٣٥١، وينظر: التأمين الإسلامي للقره داغي ص ١٤٤، التأمين بين الحظر والإباحة لسعدي أبو جيب ص ٢٦ - ٢٧.

<<  <   >  >>