للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتناول، كأن يستخدمه في عملٍ كُرهًا، مع أن في أصل المسألة خلافًا (١).

الدليل الثالث: أنه لا يلزم مستأجر العين أن يستوفي المنفعة بنفسه، فكذلك منافع الأجير، له أن يستوفيها بنفسه أو بمن يقوم مقامه، كأن يؤجرها.

المناقشة: أن الناس يتفاوتون في استخدام الأجير تفاوتًا كثيرًا، ومن شروط إجارة المستأجر للعين أن يكون الثاني مثله أو دونه في الانتفاع والضرر.

الجواب: قال في "المبسوط": (الاستخدام له حدٌّ معلومٌ بالعرف، فإذا كلَّفه فوق ذلك امتنع العبد منه، سواء كان المستأجر هو الذي يستخدمه أوغيره) (٢)، ولا فرق بين الحر والعبد في ذلك.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل -: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -ذكر منهم-: ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه» (٣).

وجه الدلالة: أنه كما لا يجوز أن يبيعه فيأكل ثمنه، فكذلك لا يجوز أن يؤجره فيأكل أجرته.

المناقشة: أن بيع الحر محرَّمٌ لذاته، ولما فيه من الكذب والخداع، وظلم الحرِّ المباع، وجعله عبدًا بذلك، وإجارة منافع الأجير ليس فيها شيءٌ من ذلك، وإنما هي إجارة لمنفعة ملكها المستأجر بطريقٍ مباحٍ.

الدليل الثاني: كراهة ابن عمر - رضي الله عنهما - لذلك وقوله: (الفضل للأول) (٤).

المناقشة: أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - خاص بما لو آجره بأكثر مما استأجره به، ويدل مفهومه على الجواز إذا آجره بمثل أجرته أو أقل.

الدليل الثالث: أن الحر لا يدخل تحت اليد، أو لا تثبت يد غيره عليه (٥)، وعليه فالأجير الحر لا تدخل منافعه في تصرف المستأجر، فلا يملك أن يتصرف فيه بإجارته لغيره.

المناقشة: أن هذه القاعدة ليست محل اتفاق؛ لذا قال بعض الشافعية: (صرح به الأصحاب في مواضع كثيرة، ولم أجد في كلام الأصحاب ولا في الشريعة دليلًا عليه) ثم قال: (فالأرجح


(١) المرجع السابق، المغني ٧/ ٤٢٩ - ٤٣٠، الروض ٦/ ١٩٧.
(٢) ١٦/ ٣٠.
(٣) سبق تخريجه ص ٤٨.
(٤) سبق تخريجه ص ٦١.
(٥) الأشباه والنظائر للسيوطي ١/ ٢٨٤، كشاف القناع ٩/ ٧٢.

<<  <   >  >>