للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّفَقَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ وَهِيَ تُلْبِسُ عَلَى الْقَاضِي لِتَأْخُذَ ثَانِيًا، وَإِذَا حَلَفَتْ فَأَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا لِجَوَازِ أَنْ يَحْضُرَ الزَّوْجُ فَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَوْفَى نَفَقَتَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ. (قَالَ:) وَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَوْفَاهَا، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِشَيْءٍ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ أَمَرَهَا بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا مَعْلُومًا لِلْقَاضِي فَأَرَادَتْ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهَا عِنْدَنَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ. وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْهَا الْبَيِّنَةَ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَالٌ يَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ، فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَلَّفَهَا إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ لَمْ تُعِدْ أَمَرَهَا بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ وَلَمْ يَقْضِ لَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا اسْتَدَانَتْ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَظَرًا لَهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ فَيُجِيبُهَا الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ مَالِهِ إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالزَّوْجِيَّةِ

(قَالَ:) وَإِنْ أَحْضَرَتْ غَرِيمًا لِلزَّوْجِ أَوْ مُودَعًا فِي يَدِهِ مَالٌ لِلزَّوْجِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِأَدَاءِ نَفَقَتِهَا مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ دَيْنٍ آخَرَ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا أَحْضَرَ غَرِيمًا، أَوْ مُودَعًا لِلْغَائِبِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بِمَا يَكُونُ نَظَرًا لَهُ وَحِفْظًا لِمِلْكِهِ عَلَيْهِ وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا (قَالَ:) وَإِنْ جَحَدَ الْمَدْيُونُ، أَوْ الْمُودَعُ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَوْنَ الْمَالِ فِي يَدِهِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ؛ فَلِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ حَتَّى إذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقُّهَا فِيهِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلزَّوْجِ فِي أَمْوَالِهِ، وَأَمَّا إذَا جَحَدَا الزَّوْجِيَّةَ فَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقًّا فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِسَبَبٍ، فَكَانَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَنْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ لَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْغَائِبِ، وَالْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ. وَالِاشْتِغَالُ مِنْ الْقَاضِي بِالنَّظَرِ يَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>