للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكَاحِ أَوْ مِلْكُ الْيَدِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا فِي سُكْنَاهُ، وَفِي نَفَقَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَمِلْكُ الْيَدِ فِي التَّصَرُّفِ كَمِلْكِ الْعَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَتَصَرَّفُ بِمِلْكِ الْيَدِ لَهُ فِي كَسْبِهِ وَالْمَضَارِبَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا يَتَصَرَّفُ، وَإِنْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ لِمِلْكِ الْيَدِ لَهُ. فَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْيَدِ وَبِهَذَا الْحَرْفِ فَارَقَ الْعِدَّةُ النَّسَبَ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْوَلَدِ لَا يَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ عَلَيْهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَائِنٌ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ وَقَدْ طَوَّلَهُ وَحَاصِلُ مَا قَالَ أَنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِإِرَادَةِ الْفُرْقَةِ، أَوْ رَفْعِ النِّكَاحِ وَبَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فَأَمَّا قَوْلُهُ طَالِقٌ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ فُرْقَةٍ، أَوْ رَفْعِ نِكَاحٍ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمَحَلِّ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ عَامِلٌ فِي حَقِيقَةِ مُوجَبِهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا اللَّفْظِ فِي قَطْعِ وَصْلَةِ الْعِدَّةِ فَخَلَّى عَنْ مُوجَبِهِ فَأَمَّا مُوجِبُ الطَّلَاقِ فَهُوَ رَفْعُ الْحِلِّ كَمَا بَيَّنَّا وَالْإِيقَاعُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ عَامِلٌ فِي مُوجَبِهِ لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ بِهِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ ثَلَاثًا.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ بِتِلْكَ الْعِدَّةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْيَدِ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ اعْتَدِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بَائِنٌ، وَفِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ هَذَا اللَّفْظُ عَامِلٌ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الْفُرْقَةِ أَوْ فَسَادِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِهِ رَجْعِيٌّ كَالصَّرِيحِ وَهَذَا لِأَنَّ عَمَلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا بِحَقِيقَةِ مُوجَبِهِ بَلْ بِإِضْمَارِ الطَّلَاقِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَكَانَ الْمُضْمَرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الثِّنْتَيْنِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَفِي الْكِتَابِ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ تَعْمَلُ لِأَنَّهُ نَوَى بِهَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْنُونَةِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الثِّنْتَيْنِ إلَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَأَمَّا الْحُرَّةُ إذَا كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَدَدَ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهَا بِهَذَا اللَّفْظِ ثِنْتَانِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ قَدْ صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَوَى نَوْعًا مِنْ الْبَيْنُونَةِ فَيَقَعُ مَا تَثْبُتُ بِهِ تِلْكَ الْبَيْنُونَةُ، وَذَلِكَ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>