للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُنْعٌ غَيْرُ قَاطِعٍ حَتَّى أَنَّ غَاسِلَ الرِّجْلَيْنِ لَوْ فَعَلَهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَا يَضُرُّهُ وَلِهَذَا قِيلَ تَأْوِيلُهُ إنْ كَانَ الْخُفَّ وَاسِعَ السَّاقِ لَا يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالِاسْتِخْلَافُ أَيْضًا صُنْعُهُ (قُلْنَا) نَعَمْ وَلَكِنَّهُ صُنْعٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَارِئُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ يَتَأَدَّى فَرْضُ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَلَوْ كَانَ الْخُرُوجُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَجِّ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَاعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ لِلْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ وَالْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْمُحَاذَاةُ مُبْطِلٌ لَا مُغَيِّرٌ (فَإِنْ قِيلَ) فَطُلُوعُ الشَّمْسِ فِي خِلَالِ الْفَجْرِ مُبْطِلٌ لَا مُغَيِّرٌ وَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ.

(قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُغَيِّرٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَارِجًا بِهِ مِنْ التَّحْرِيمَةِ، وَجَمِيعُ مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا اعْتَرَضَ قَبْلَ السَّلَامِ، كَذَلِكَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ.

أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا شَكَّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يُسَلِّمُ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ التَّحْرِيمَةِ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا، فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْعَوَارِضِ الْمُفْسِدَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِالسَّلَامِ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» فَكَمَا أَنَّ التَّحْرِيمَ مِنْ الصَّلَاةِ مُخْتَصٌّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ فَكَذَلِكَ التَّحْلِيلُ.

(وَلَنَا) حَدِيثُ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ قَالَ لَهُ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ خِطَابٌ مِنْهُ لِلنَّاسِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عَمْدًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا يَكُونُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» الْإِذْنُ بِانْقِضَائِهَا فَإِنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْ النَّاسِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَالْعَائِدِ إلَيْهِمْ فَلِهَذَا يُسَلِّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>