للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَغَيَّرُ حُكْمُ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى تَطْلِيقَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْوَاحِدَةِ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ، أَوْ وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي لَفْظِهِمَا، وَتَكَلَّمَا بِهَا إنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ لَفْظٍ آخَرَ مَعْطُوفٍ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ، فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدَةٍ، وَالْآخَرُ بِأَحَدَ عَشَرَ قَالَ: هُنَاكَ أَحَدَ عَشَرَ اسْمٌ وَاحِدٌ؛ لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْعَطْفِ، فَالشَّاهِدُ بِهَا لَا يَكُونُ شَاهِدًا بِالْوَاحِدَةِ لَفْظًا، فَأَمَّا وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ اسْمَانِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، فَالشَّاهِدُ بِهَا شَاهِدٌ بِالْوَاحِدَةِ لَفْظًا.

(قَالَ): وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا نِصْفَ وَاحِدَةٍ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ وَاحِدَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى ثُلُثِ وَاحِدَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَتُقْبَلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ وُجِدَ فَإِنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ وَثُلُثَهَا كَمَالُهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَبَيْنَ النِّصْفِ، وَالْكُلِّ مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ، وَكَذَلِكَ النِّصْفُ غَيْرُ الثُّلُثِ فَلَمْ يُوجَدْ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا؛ فَلِهَذَا قَالَ: لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ لَا، بَلْ فُلَانَةُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ يُسَمِّي الْأُولَى فَقَدْ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ الْأُولَى؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ لَمْ يَثْبُتْ.

وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ. وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ طَالِقٌ بَعْضَ الطَّلَاقِ فَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا مَعْنًى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا لَفْظًا، وَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْكُلِّ، وَالْبَعْضِ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ.

(قَالَ): وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ، وَصِيغَةُ الْإِقْرَارِ، وَالْإِنْشَاءِ فِيهِ وَاحِدَةٌ، فَاخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي الْإِنْشَاءِ، وَالْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ فَبِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ لَفْظًا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ كَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ.

(قَالَ): وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْكُوفَةِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً لَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ، وَلَكِنْ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ بِمَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، وَإِذَا كَانَتْ تُهْمَةُ الْكَذِبِ تَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ فَالتَّيَقُّنُ بِالْكَذِبِ أَوْلَى، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>