للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوَلَدِهَا إلَى مِصْرٍ آخَرَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ بِقَطْعِ وَلَدِهِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ قُرْبٌ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ الزَّوْجُ؛ لِمُطَالَعَةِ الْوَلَدِ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ، فَحِينَئِذٍ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَحَالَّ مُخْتَلِفَةٍ فِي مِصْرٍ، وَلَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ، وَنَقَلَهَا إلَى هَذَا الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمِصْرِ، فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فِي مِصْرٍ؛ لِيُقِيمَ مَعَهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا سَاعَدَتْهُ عَلَى الْخُرُوجِ؛ لِأَجْلِ النِّكَاحِ فَإِذَا ارْتَفَعَ كَانَ لَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مِصْرِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْمُقَامِ فِي الْغُرْبَةِ نَوْعُ ذُلٍّ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا؛ لِأَنَّهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ اسْتَحَقَّتْ الْمُقَامَ بِوَلَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ، فَإِنَّمَا تَسْتَوْفِي مَا اسْتَحَقَّتْ لَا أَنْ تَقْصِدَ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ، فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَى مِصْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَا كَانَ فِي مِصْرِهَا، وَاخْتِيَارُهَا الْغُرْبَةَ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِوَلَدِهَا إلَى مِصْرِهَا، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهَا: اُتْرُكِي الْوَلَدَ، وَاذْهَبِي حَيْثُ شِئْت، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ غَرِيبَةٌ كَمَا هُنَا، فَلَا تَقْصِدُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ دَفْعَ وَحْشَةِ الْغُرْبَةِ، إنَّمَا تَقْصِدُ قَطْعَ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ.

وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي كَانَ تَزَوَّجَهَا فِيهِ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا غَرِيبَةٌ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ كَمَا هُنَا، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ: اُنْظُرْ إلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَيْنَ وَقَعَ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي مِصْرِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجِ لَا دَفْعَ الْوَحْشَةِ عَنْ نَفْسِهَا بِالْخُرُوجِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ مَا أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْغُرْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا فِي مِصْرِهَا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي رُسْتَاقٍ لَهُ قُرًى مُتَفَرِّقَةٌ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ، فَلَهَا ذَلِكَ، إنْ كَانَتْ الْقُرَى قَرِيبَةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَعُودَ إلَى قَرْيَتِهَا، وَقَدْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ.

وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ مِصْرٍ جَامِعٍ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ وَقَعَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَتَخْرُجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّتْ الْمُقَامَ فِي قَرْيَتِهَا بِوَلَدِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ النِّكَاحِ فِيهَا، فَإِنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ بِوَلَدِهَا؛ لِأَنَّ فِي أَخْلَاقِ أَهْلِ الرُّسْتَاقِ بَعْضَ الْجَفَاءِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهْلُ الْكُفُورِ هُمْ أَهْلُ الْقُبُورِ» فَفِي خُرُوجِهَا بِوَلَدِهَا إلَى الْقَرْيَةِ مِنْ الْمِصْرِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>