للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَيْرَةِ عَلَى أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَهَا وَهَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا إيثَارُ الْعَذَابِ وَالْمَوْتِ عَلَى صُحْبَتِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُبْغِضِينَ كَذَا لِشَيْءٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُحِبُّهُ مِثْلَ الْجَنَّةِ وَالْغِنَى فَقَالَتْ أَنَا أُبْغِضُهُ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ كَذَا فَقَالَتْ لَسْت أُحِبُّهُ وَهِيَ كَاذِبَةٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ وَهُوَ الْإِخْبَارُ قَامَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ فَيَدُورُ الْحُكْمُ مَعَ السَّبَبِ الظَّاهِرِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّ ذَلِكَ وَهُوَ كَاذِبٌ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهَا حَقِيقَةً يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ وَمَا فِي قَلْبِهَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَإِذَا أَخْبَرَ بِخِلَافِ مَا جَعَلَهُ شَرْطًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ الْمَحَبَّةُ وَالْبُغْضُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت أُحِبُّ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ طَلَاقِهَا إخْبَارُهُ بِمَحَبَّةِ طَلَاقِهَا فَإِذَا لَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَإِنْ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ فَقَدْ أَخْبَرَ بِضِدِّ مَا جَعَلَهُ شَرْطًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَرْطُ الْوُقُوعِ إخْبَارُهَا بِمَحَبَّةِ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى إذَا قَامَتْ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ كَانَتْ تُحِبُّ ذَلِكَ بِقَلْبِهَا لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخَبَرُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ لَا أُحِبُّهُ وَهِيَ كَاذِبَةٌ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِضِدِّ مَا هُوَ شَرْطُ الطَّلَاقِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِك أَوْ تَهْوَيْنَهُ أَوْ تُرِيدِينَهُ أَوْ تَشْتَهِينَهُ بِقَلْبِك دُونَ لِسَانِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَتْ لَا أَشَاءُ وَلَا أُحِبُّ وَلَا أَهْوَى وَلَا أُرِيدُ وَلَا أَشْتَهِي فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِضِدِّ مَا هُوَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَلَا تُصَدَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ إمَّا لِلتَّنَاقُضِ أَوْ؛ لِأَنَّ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ قَدْ تَمَّ شَرْطُ بِرِّهِ وَبَعْدَ تَمَامِ شَرْطِ الْبِرِّ فِي الْيَمِينِ لَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ وَإِنْ سَكَتَتْ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا حَتَّى قَامَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ إخْبَارُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا خِلَافُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ فَإِنَّهُ يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ مَحَبَّتَهَا بِقَلْبِهَا حِينَ صَرَّحَ بِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِخَبَرِهَا بِخِلَافِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَأَمَّا أَنْ يَقُومَ

<<  <  ج: ص:  >  >>