للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَّا صَوْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْفَرْضُ فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا لِلْمَرْءِ لَا بِمَا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ، وَبَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ صَاحِبَيْهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمُسَافِرِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَنْ الظِّهَارِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فِي حَقِّ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ صَوْمُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الصَّوْمِ صَامَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ؛ وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِتَخَلُّلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ.

(قَالَ): وَلَا يُجْزِي الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِمَا يَتَأَدَّى بِهِ الْأَصْلُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ بِالْبَدَلِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمَسْكَنِ فَجُعِلَ مِلْكُهُ فِيهِ كَالْمَعْدُومِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِحَاجَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ مِلْكَ الْمَسْكَنِ يَزِيدُ فِي حَاجَتِهِ، وَالْخَادِمَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ عَيَّنَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَعْنَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يَجِدُ بِهَا رَقَبَةً لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [النساء: ٩٢]، وَالْوَاجِدُ لِثَمَنِ الرَّقَبَةِ كَالْوَاجِدِ لِعَيْنِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حُكْمِ التَّيَمُّمِ، الْوَاجِدُ لِثَمَنِ الْمَاءِ كَالْوَاجِدِ لِعَيْنِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّيَسُّرِ دُونَ الْغِنَى، وَبِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَا يَعْتِقُ، وَيَسَارُ التَّيَسُّرِ يَنْفِي الشَّرْطَ الْمَنْصُوصَ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ.

(قَالَ): وَإِذَا ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً، لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، ثُمَّ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةٍ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَمْ يَنْوِ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا أَجْزَأَهُ عَنْهُنَّ اسْتِحْسَانًا، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ التَّمْيِيزِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ أَعْتَقَ حِينَ وَجَدَ ثُمَّ صَامَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَا يُعْتِقُ، وَذَلِكَ كَفَّارَتُهُ ثُمَّ أَطْعَمَ حِينَ لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ، وَذَلِكَ كَفَّارَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الِاسْتِطَاعَةِ عِنْدَ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِمَرَضِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ الْعُذْرِ بَعْدَ التَّكْفِيرِ، ثُمَّ فِيمَا أَدَّى وَفَاءً بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَيُجْزِيهِ.

(قَالَ): وَإِذَا بَانَتْ مِنْ الْمُظَاهِرِ امْرَأَتُهُ ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهَا، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ مُرْتَدَّةٌ لَاحِقَةٌ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالظِّهَارِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَوْ سَقَطَتْ لَمْ يَعُدْ بِالتَّزَوُّجِ. وَإِذَا ثَبَتَ بَقَاءُ الْوَاجِبِ صَحَّ إسْقَاطُهُ بِأَدَائِهِ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ لِلْحَالِ لِكَوْنِهَا مُرْتَدَّةً أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْكَفَّارَةِ يَرْفَعُ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالظِّهَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>