للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُولٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ شَيْءٌ، وَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا: لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا إلَّا بِيَمِينٍ بِالْعِتْقِ يَلْزَمُهُ فَيَكُونَ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُك فَهَذَا الْمُدَبَّرُ حُرٌّ، إنْ دَخَلَ الدَّارَ يَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ كَمَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ مُوجِبِ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَانِعًا حَقَّهَا: يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ، كَالْمِيرَاثِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُك فَعَلَيَّ حَجَّةٌ بَعْدَمَا أَقْرَبُك بِسَنَةٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَك بِيَوْمٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا إلَّا بِحَجَّةٍ تَلْزَمُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا

(قَالَ): وَإِذَا قَالَ: إنْ قَرُبْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ يَسْقُطُ الْيَمِينُ وَيَصِيرُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الصَّوْمِ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي لَا يَصِحُّ فَيَصِيرُ عِنْدَ الْقُرْبَانِ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، وَذَلِكَ لَغْوٌ وَلَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُكِ فَعَلَيَّ طَعَامُ مِسْكِينٍ، أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ هَدْيٌ، فَهُوَ مُولٍ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ: فَعَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ مُولٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ مُولِيًا. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَّقَ بِالْقُرْبَانِ الْتِزَامَ مَا هُوَ قُرْبَةٌ فَيَكُونُ مُولِيًا كَمَا فِي الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَمَالِي: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِمَالٍ وَيَتَوَصَّلُ إلَى الصَّلَاةِ بِدُونِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَهُمَا، وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى مَا الْتَزَمَ إلَّا بِالْمَالِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَتَحَقَّقُ مَنْعُ الْقُرْبَانِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْتِزَامِ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ إذْ لَا يَلْحَقُهُ فِي أَدَائِهَا مَشَقَّةٌ، وَلَا خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْقُرَبِ: تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِالْقُرْبَانِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ فَهُوَ مُوجِبُ الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةَ، وَالصَّوْمَ وَكَذَلِكَ الْهَدْيَ وَالْحَجَّ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى أَدَائِهِمَا إلَّا بِمَالٍ. وَالتَّكْفِيرُ بِالْمَالِ مُوجِبٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْحِنْثِ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الْيَمِينَ بِالْقُرْبَانِ. فَأَمَّا الصَّلَاةُ لَيْسَتْ بِمُوجِبٍ الْيَمِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَدَاءِ الْمَنْذُورِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَالَ إنْ قَرُبْتُكِ فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، وَقَدْ ظَاهَرَ أَوْ لَمْ يُظَاهِرْ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قُرْبَانَهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَتَنَجَّزُ فِي الْعَبْدِ، وَتَنَجُّزُ الْعِتْقِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلظِّهَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ فُلَانًا عَنْ ظِهَارِي

<<  <  ج: ص:  >  >>