للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَجَازِ تَصَوُّرُ الْحُكْمِ لِإِثْبَاتِ الْخِلَافَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ: اشْتَرَيْتُك بِكَذَا كَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَالْحُرَّةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِأَصْلِ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّ أُمَّ الْغُلَامِ لَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا صَارَ مَجَازًا لِغَيْرِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا مَجَازٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِحُرِّيَّتِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَتَقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِهَذَا اللَّفْظِ مُوجِبٌ فِي الْأُمِّ فَأَمَّا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ ابْنَتِي فَقَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَمِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فَلَا نُسَلِّمُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلْمُسَمَّى كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ مَعْدُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إيجَابًا، وَلَا إقْرَارًا فِي الْمَعْدُومِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ هَذَا جَدِّي فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ هُنَا وَقَدْ مَنَعُوهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: لَا مُوجِبَ لِذَلِكَ الْكَلَامِ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ، وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَبِدُونِهَا لَا مُوجِبَ لِكَلَامِهِ حَتَّى يُجْعَلَ كِنَايَةً عَنْ مُوجِبِهِ مَجَازًا، فَأَمَّا لِلْبُنُوَّةِ، وَالْأُبُوَّةِ مُوجَبٌ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَيُجْعَلُ كَلَامُهُ كِنَايَةً عَنْ مُوجِبِهِ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ فِيمَا صَرَّحَ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ قَطَعْت يَدَك؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِلْجُرْحِ بَعْدَ الْبُرْءِ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ عَلَى أَنْ يُجْعَل كِنَايَةً عَنْ مُوجِبِهِ فَلِهَذَا كَانَ لَغْوًا.

وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ لِلْإِخْوَةِ فِي مِلْكِهِ مُوجِبًا، وَهُوَ الْعِتْقُ فَيُجْعَلُ هَذَا اللَّفْظُ كِنَايَةً عَنْ مُوجِبِهِ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأُخُوَّةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ يُرَادُ بِهِ: الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠]، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الِاتِّحَادُ فِي الْقَبِيلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: ٦٥]، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ.

وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِدُونِ الْبَيَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي نَقُولُ: يَعْتِقُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنْ قِيلُ: فَالْبُنُوَّةُ وَالْأُبُوَّةُ قَدْ تَكُونُ بِالرَّضَاعَةِ ثُمَّ أَثْبَتُّمْ الْعِتْقَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مِنْ الرَّضَاعِ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ. فَأَمَّا الْأُخُوَّةُ مُشْتَرَكَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاوَرَةٍ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ، وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ، وَلَا مُوجِبَ لِهَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>