للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهَا فِي ذَلِكَ الْعِتْقِ فَيَتَعَيَّنُ فِي الْأُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْبَيْعِ تُعَيَّنُ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا بَاعَ إحْدَاهُمَا بَيْعًا فَاسِدًا أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْبَيَانِ مِمَّنْ لَهُ خِيَارٌ كَصَرِيحِ الْبَيَانِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَا خَيَّرَ بَرِيرَةَ قَالَ لَهَا: إنْ وَطِئَك زَوْجُك فَلَا خِيَارَ لَك» وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ عَتَقَتْ الْبَاقِيَةُ وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَعْتَقَهَا عَتَقَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا التَّصَرُّفِ خُرُوجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُزَاحِمَةً فِي ذَلِكَ الْعِتْقِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ يُوجِبُ لَهَا مِلْكَ الْيَدِ فِي نَفْسِهَا، وَمَكَاسِبِهَا بِعِوَضٍ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعِتْقِ فَكَانَ انْتِفَاءُ الْعِتْقِ عَنْهَا مِنْ ضَرُورَةِ تَصَرُّفِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي مَالِيَّتِهَا بِتَصَرُّفِهِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْعِتْقِ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَأْجَرِ بِوِلَايَةِ الْمِلْكِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْعِتْقِ عَنْهَا، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا لَمْ تَعْتِقْ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اسْتِخْدَامِهِ إيَّاهَا انْتِفَاءُ الْعِتْقِ عَنْهَا فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَسْتَخْدِمُ الْحُرَّةَ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ مَوْلَاةً لَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ شَرْعًا بِرِضَاهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْبَيَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا احْتَلَمْت فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِقَوْلٍ مُلْزِمٍ وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ قَوْلٌ مُلْزِمٍ شَرْعًا خُصُوصًا فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ، وَإِذَا قَالَ الصَّحِيحُ: عَبْدِي حُرٌّ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْتُوهٌ عَتَقَ عَبْدُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجِزِ، وَالْمَعْتُوهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْعَتَهُ لَا يُعْدِمُ مِلْكَهُ، وَلَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ مِنْهُ إنَّمَا يُهْدَرُ قَوْلُهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجِزِ بِذَلِكَ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ، وَقَدْ صَحَّ مِنْهُ

وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ صَارَ ذِمِّيًّا، أَوْ أَسْلَمَ، وَعَبْدُهُ مَعَهُ فِي يَدِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ وَعِتْقُهُ، وَتَدْبِيرُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عِتْقُهُ نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْإِبْطَالِ فَيَصِحُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالطَّلَاقِ ثُمَّ مِلْكُ الْحَرْبِيِّ أَضْعَفُ مِنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَإِذَا كَانَ مِلْكُ الْمُسْلِمِ يَزُولُ بِالْعِتْقِ مَعَ تَأَكُّدِهِ بِالْإِحْرَازِ، فَمِلْكُ الْحَرْبِيِّ أَوْلَى، وَهُمَا يَقُولَانِ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ، وَهُوَ مَحَلٌّ لِلِاسْتِرْقَاقِ.

وَالدَّارُ دَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>