للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُكَاتَبَيْنِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَكْتَسِبَانِ وَيُنْفِقَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْ كَسْبِهِمَا وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَى أَخْذِ الْكَسْبِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَا قُلْنَا عَلَيْهِمَا السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِمَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ

وَكَذَلِكَ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ الْآخَرِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ تَخْدِمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا وَيُرْفَعُ عَنْهَا يَوْمٌ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُقَرِّ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلْمُنْكِرِ لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا عَلَى شَرِيكِهِ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ كَشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ يَسْعَى لِلْمُنْكِرِ فِي نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ هُنَاكَ تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ لَوْ كَانَ حَقًّا كَانَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا مُمْتَنِعًا فَلِهَذَا تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ وَهُنَا مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَكُنْ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا مُمْتَنِعًا فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ وَلَكِنْ فِي زَعْمِ الْمُنْكِرِ أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ وَأَنَّ شَرِيكَهُ كَاذِبٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا يَوْمًا مِنْ كُلِّ يَوْمَيْنِ كَمَا قَبْلَ هَذَا الْأَوَانِ وَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فِي الْيَوْمِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِشَرِيكِهِ وَأَنَّ حَقَّهُ فِي الضَّمَانِ قَبْلَ شَرِيكِهِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ عَلَيْهَا سَبِيلٌ وَجِنَايَتُهَا وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ تَسْعَى فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا بِأَخْذِ الْأَرْشِ فَتَسْتَعِينُ بِهَا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَمَّا قَضَى عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ فِي نَصِيبِ الْجَاحِدِ كَانَتْ كَالْمُكَاتَبِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا كَانَتْ مَوْقُوفَةَ الْحَالِ لَا يُقْضَى فِيهَا بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ حُكْمُ جِنَايَتِهَا وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفُ جِنَايَتِهَا عَلَى الْجَاحِدِ لِأَنَّ نِصْفَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ مُطْلَقًا حَتَّى يَسْتَخْدِمَهَا بِقَدْرِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ جِنَايَتُهَا عَلَيْهَا تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهَا.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ كَسْبِهَا وَلَوْ جَعَلْنَاهَا مَوْقُوفَةً فَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ أَحَقَّ بِكَسْبِهَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهَا فِي كَسْبِهَا كَالْمُكَاتَبَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>