للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ فِي الْحَالِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْعِتْقِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَالْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّبَرُّعَاتِ لِكَوْنِهِ عَبْدًا وَلِأَنَّ صِحَّةَ التَّبَرُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّصَرُّفُ إذَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ إذَا أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلِأَنَّ بِالْعِتْقِ يَتِمُّ مِلْكُهُ فِي الْكَسْبِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ فَلَا يَنْفُذُ التَّبَرُّعُ السَّابِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ وَهَبَ كَسْبَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ حَتَّى مَلَكَ الْمَوْلَى لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ

وَلَا يَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَتَبَرُّعِهِ فِي حَيَاتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) أَلَيْسَ أَنَّهُ إذَا أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا وَلَوْ عَتَقَ فِي حَالَ حَيَاتِهِ وَجَبَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ بِمَالٍ مُرْسَلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَذَلِكَ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ (قُلْنَا) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِنَادَ حُرِّيَّتِهِ إلَى آخِرِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لِلضَّرُورَةِ وَوَصِيَّتُهُ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَلِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ إنَّمَا تَسْتَنِدُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لِلَطَافَتِهَا لَا تَتَّسِعُ لِلْوَصِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ وَلَا كَفَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. إلَّا أَنَّ كَفَالَتَهُ كَكَفَالَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَاسْتِقْرَاضُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَقَدْ يَفْعَلُهُ التَّاجِرُ لِإِظْهَارِ الْمُسَامَحَةِ حَتَّى يَمِيلَ النَّاسُ إلَيْهِ وَيُحَابِي فِي تَصَرُّفٍ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى تَصَرُّفٍ آخَرَ هُوَ أَنْفَعُ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَطَّ شَيْئًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ زَادَ فِي ثَمَنِهِ شَيْئًا اشْتَرَاهُ فَهَذَا مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ

وَإِنْ أَعَارَ دَابَّةً أَوْ أَهْدَى هَدِيَّةً أَوْ دَعَا إلَى طَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، فَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ هَذَا كُلُّهُ تَبَرُّعٌ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إيجَادِ الدَّعْوَةِ لِلْمُجَاهِرِينَ أَوْ الْإِهْدَاءِ إلَيْهِمْ أَوْ إعَارَةِ مَسْكَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ إذَا أَتَوْهُ مِنْ بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَلِكَوْنِهِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ قُلْنَا يَمْلِكُهُ اسْتِحْسَانًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْسُوَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ لِعَيْنِ الثَّوْبِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَالتَّاجِرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عَادَةً، وَكَذَلِكَ لَا يُعْطِي دِرْهَمًا فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ فَالتُّجَّارُ يَتَوَسَّعُونَ فِي الْمَنَافِعِ مَا لَا يَتَوَسَّعُونَ فِي الْأَعْيَانِ فَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دُونَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>