للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ مَاتَتْ الْآنَ فَيَكُونُ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرٌ فِي نَفْسِهِ وَيَتَّصِلُ بِهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوبًا بِالْآخَرِ، فَهَذَا شِبْهُ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَمَّا الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ أَقْرَبَ عَصَبَةِ الْمُعْتَقِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُعْتِقِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ، وَالِابْنُ هُوَ الْعَصَبَةُ دُونَ الْأَبِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَبِ السُّدُسَ مِنْهَا بِالْفَرِيضَةِ دُونَ الْعُصُوبَةِ، فَهُوَ كَاسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ نِصْفَ مَا لَهَا بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْأَبِ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمُزَاحَمَتِهَا مَعَ الْأَبِ فِي مِيرَاثِ مُعْتِقِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا.

(قَالَ): رَجُلٌ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ غَرِقَا جَمِيعًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْ الْمَوْلَى مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ فَشَرْطُ اسْتِحْقَاقِ مِيرَاثِ الْغَيْرِ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ هُنَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ ظَهَرَا وَلَا يُعْرَفُ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّقْدِيمِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ عَلِمْنَا مَوْتَهُمَا مَعًا لَمْ يَرِثْ الْمَوْلَى مِنْهَا فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَكِنْ مِيرَاثُهَا لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا لَمْ يَرِثْهَا جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ فَكَأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا قَبْلَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثُهَا لِأَقْرَبِ عَصَبَتِهِ

(قَالَ): وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ أَخًا مِنْ أُمِّهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ، فَمِيرَاثُهَا لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَلَيْسَ لِلْأَخِ لِأُمٍّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، سَوَاءٌ كَانَ أَخَ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ أَوْ أَخًا لِابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَأَخُ ابْنِ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمُعْتِقِ، وَأَخُ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ لَهُ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُ فَرِيضَةٍ وَلَا يَخْلُفُ الْمُعْتِقَ فِي مِيرَاثِ مُعْتَقِهِ إلَّا مَنْ كَانَ عَصَبَةً لَهُ.

(قَالَ): امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُمَا، فَالْمِيرَاثُ لِلِابْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا، يُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ بِالْإِرْثِ عَنْهَا فَكَذَلِكَ فِي الْخِلَافَةِ فِي مِيرَاثِ مُعْتَقِهَا وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَعَقْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ مُعْتِقِهَا كَجِنَايَتِهَا وَجِنَايَتِهَا عَلَى قَوْمِ أَبِيهَا، فَكَذَلِكَ جِنَايَةُ مُعْتَقِهَا. وَابْنُهَا لَيْسَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا اخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَوْلًى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَمَّتِي وَأَنَا أَرِثُ مَوْلَاهَا، وَأَعْقِلُ عَنْهُ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أُمِّي وَأَنَا أَرِثُ مَوْلَاهَا فَقَضَى عُمَرُ بِالْمِيرَاثِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: شَهِدْتُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ ذَهَبَ بِمَوَالِي صَفِيَّةَ، وَشَهِدْتُ عَلَى جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ ذَهَبَ بِمَوَالِي أُمِّ هَانِئٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكَانَ ابْنًا لَهَا، فَخَاصَمَهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>