للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُلَقِّنُهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ يُلَقِّنُ غَيْرَهُ شَيْئًا لَا يَكُونُ مُبَاشِرًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَاَلَّذِي يُلَقِّنُ غَيْرَهُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ عَبْدِهِ.

(قَالَ): رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِهِمَا وَمِثْلُ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَفْسَخُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ تَمَكُّنَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْفَسْخِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ بِنَفْسِهِ، لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِنَفْسِهِ، فَفِي فَسْخِ أَحَدِهِمَا إلْزَامُ الْآخَرِ حُكْمَ الْفَسْخِ فِي عَقْدٍ كَانَ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّهِ، فَلَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَسْخِ فِي حَقِّهِ قَبْلَ عِلْمِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْخِطَابِ بِالشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْأَعْلَى تَبْرَأَ مِنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ صَحَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ وَالَى الْأَسْفَلُ رَجُلًا آخَرَ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ مَعَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ هُنَا يَثْبُتُ حُكْمًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي وَفِي الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَوَّلِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ حُكْمًا لَهُ بِخِلَافِ الْفَسْخِ مَقْصُودًا، وَهُوَ نَظِيرُ عَزْلِ الْوَكِيلِ حَالَ غَيْبَتِهِ لَا يَصِحُّ مَقْصُودًا وَيَصِحُّ حُكْمًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ الَّذِي وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ. (فَإِنْ قِيلَ): فَلِمَاذَا يَجْعَلُ صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي مُوجِبًا فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَوْ وَالَاهُمَا جُمْلَةً صَحَّ؟ (قُلْنَا): لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بَعْدَ صِحَّتِهِ مُعْتَبَرٌ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ الْأَسْفَلُ عَبْدًا وَوَالَاهُ رَجُلٌ فَوَلَاءُ مُعْتِقِهِ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَعْلَى الَّذِي هُوَ مَوْلَاهُ، وَلَوْ مَاتَ الْأَعْلَى ثُمَّ مَاتَ الْأَسْفَلُ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْلَى دُونَ الْإِنَاثِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي وَلَاءِ الْعِتْقِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ بَيْعِ الْوَلَاءِ]

(قَالَ): ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ». وَبِهَذَا نَأْخُذُ دُونَ مَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>