للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ تَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ عَقْدِ الْوَلَاءِ عَلَى وَلَدِهَا، وَيَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِي الْإِسْلَامِ فَتُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِالْوَلَاءِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ: كَانَ زَوْجِي رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَسْلَمَ أَوْ كَانَ عَبْدًا صُدِّقَتْ عَلَى الْوَلَدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا تُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا تَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ عَقْدِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ وَهِيَ لَا تَعْرِفُ فَأَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَى عَتَاقَةٍ لِرَجُلٍ صُدِّقَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا تُصَدَّقُ عَلَى الْوَلَدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَا لَهُ مِنْ النَّسَبِ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْوَلَاءِ، وَاعْتِبَارُ قَوْلِهَا عَلَيْهِ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْمَنْفَعَةُ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، وَالْإِقْرَارُ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَالْوَلَاءِ سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ كَالْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي الْمَرَضِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَلَاءِ.

وَإِذَا قَالَ: فُلَانٌ مَوْلًى لِي قَدْ أَعْتَقْتُهُ. وَقَالَ فُلَانٌ: بَلْ أَنَا أَعْتَقْتُك لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَلَاءِ بِالسَّبَبِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا مَوْلًى لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَعْتَقَانِي، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ مَا أَعْتَقْته، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ قَالَ: أَنَا مَوْلَى فُلَانٍ أَعْتَقَنِي، ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ أَعْتَقَنِي فُلَانٌ فَهُوَ مَوْلًى لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَاءِ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِلْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَاءِ لِلثَّانِي، وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقَنِي فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ وَادَّعَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَهَذَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ شَيْئًا، فَيُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ لِغَيْرِهِمَا أَنَّهُ مَوْلَاهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ.

رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ أَعْتَقَتْهُ فَقَالَتْ: لَمْ أُعْتِقْكَ وَلَكِنَّك أَسْلَمْت عَلَى يَدِي وَوَالَيْتنِي فَهُوَ مَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِ أَصْلِ الْوَلَاءِ، وَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ، وَالْأَسْبَابُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِأَحْكَامِهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ مِقْدَارُ مَا وُجِدَ فِيهِ التَّصْدِيقُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَوُّلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْمُقِرُّ يُعَامَلُ فِي إقْرَارِهِ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ وَفِي زَعْمِهِ أَنَّ عَلَيْهِ وَلَاءَ عَتَاقَةٍ لَهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَوُّلِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّسَبِ إذَا أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ فَكَذَّبَهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ يَصِحَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ.

وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهَا وَوَالَاهَا، وَقَالَتْ: بَلْ أَعْتَقْتُك فَهُوَ مَوْلَاهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهَا مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ قَوْمُهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَ التَّصْدِيقِ مِقْدَارُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ وَهُوَ إنَّمَا أَقَرَّ بِوَلَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>